تأليف القرآن [ ص: 47 ] حدثنا
إبراهيم بن موسى ، حدثنا
هشام بن يوسف : أن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أخبرهم قال : وأخبرني
يوسف بن ماهك قال : إني لعند
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، إذ جاءها عراقي فقال : أي الكفن خير ؟ قالت : ويحك ! وما يضرك ، قال : يا أم المؤمنين ، أريني مصحفك ، قالت : لم ؟ قال : لعلي أؤلف القرآن عليه ، فإنه يقرأ غير مؤلف ، قالت : وما يضرك أيه قرأت قبل ، إنما أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام ، نزل الحلال والحرام ولو نزل أول شيء : ولا تشربوا الخمر ، لقالوا : لا ندع الخمر أبدا ، ولو نزل : لا تزنوا ، لقالوا : لا ندع الزنا أبدا ، لقد نزل
بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب : (
بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ) [ القمر : 46 ] ، وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده ، قال : فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور . وهكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج به ، والمراد من التأليف هاهنا ترتيب سوره . وهذا العراقي سأل أولا عن أي الكفن خير ، أي : أفضل ، فأخبرته
عائشة ، رضي الله عنها ، أن هذا لا ينبغي أن يعتني بالسؤال عنه ولا القصد له ولا الاستعداد ، فإن في هذا تكلفا لا طائل تحته ، وكانوا في ذلك الزمان يصفون أهل
العراق بالتعنت في الأسئلة ، كما سأل بعضهم
عبد الله بن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب فقال
عبد الله بن عمر : انظروا أهل العراق ، يسألون عن دم البعوضة ، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ! . ولهذا لم تبالغ معه
عائشة ، رضي الله عنها ، في الكلام لئلا يظن أن ذلك أمر مهم ، وإلا فقد روى
أحمد وأهل السنن من حديث
سمرة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=820041عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : البسوا من ثيابكم البياض ، وكفنوا فيها موتاكم ، فإنها أطهر وأطيب وصححه الترمذي من الوجهين .
وفي الصحيحين عن
عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500715كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ، ليس فيها قميص ولا عمامة . وهذا محرر في باب الكفن من كتاب الجنائز .
ثم سألها عن ترتيب القرآن فانتقل إلى سؤال كبير ، وأخبرها أنه يقرأ غير مؤلف ، أي : غير مرتب السور . وكأن هذا قبل أن يبعث
أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه - إلى الآفاق بالمصاحف الأئمة المؤلفة على هذا الترتيب المشهور اليوم ، وقبل الإلزام به ، والله أعلم .
ولهذا أخبرته : إنك لا يضرك بأي سورة بدأت ، وأن أول سورة نزلت فيها ذكر الجنة والنار ،
[ ص: 48 ] وهذه إن لم تكن اقرأ فقد يحتمل أنها أرادت اسم جنس لسور المفصل التي فيها الوعد والوعيد ، ثم لما انقاد الناس إلى التصديق أمروا ونهوا بالتدريج أولا فأولا وهذا من حكمة الله ورحمته ، ومعنى هذا الكلام : أن هذه السورة أو السور التي فيها ذكر الجنة والنار ليس البداءة بها في أوائل المصاحف ، مع أنها من أول ما نزل ، وهذه البقرة والنساء من أوائل ما في المصحف ، وقد نزلت عليه في
المدينة وأنا عنده .
فأما
ترتيب الآيات في السور فليس في ذلك رخصة ، بل هو أمر توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما تقدم تقرير ذلك ؛ ولهذا لم ترخص له في ذلك ، بل أخرجت له مصحفها ، فأملت عليه آي السور ، والله أعلم .
وقول عائشة : لا يضرك بأي سورة بدأت ، يدل على أنه لو قدم بعض السور أو أخر ، كما دل عليه حديث
حذيفة nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، وهو في الصحيح أنه ، عليه السلام ، قرأ في قيام الليل بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران . وقد حكى
القرطبي عن
أبي بكر بن الأنباري في كتاب الرد أنه قال : فمن أخر سورة مقدمة أو قدم أخرى مؤخرة كمن أفسد نظم الآيات وغير الحروف والآيات وكان مستنده اتباع مصحف
عثمان - رضي الله عنه - فإنه مرتب على هذا النحو المشهور ، والظاهر أن ترتيب السور فيه منه ما هو راجع إلى رأي
عثمان ، وذلك ظاهر في سؤال
ابن عباس له في ترك البسملة في أول " براءة " وذكره الأنفال من الطوال ، والحديث في الترمذي وغيره بإسناد جيد وقوي . وقد ذكرنا عن علي أنه كان قد عزم على ترتيب القرآن بحسب نزوله .
ولقد حكى
nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي الباقلاني : أن أول مصحفه كان : اقرأ باسم ربك الأكرم وأول مصحف
ابن مسعود : (
مالك يوم الدين ) ثم البقرة ، ثم النساء على ترتيب مختلف ، وأول مصحف
أبي : (
الحمد لله ) ثم النساء ، ثم آل عمران ، ثم الأنعام ، ثم المائدة ، ثم كذا على اختلاف شديد ، ثم قال القاضي : ويحتمل أن ترتيب السور في المصحف على ما هو عليه اليوم من اجتهاد الصحابة ، رضي الله عنهم ، وكذا ذكره مكي في تفسير سورة " براءة " قال :
فأما ترتيب الآيات والبسملة في الأوائل فهو من النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال
ابن وهب في جامعه : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16036سليمان بن بلال يقول : سئل
ربيعة : لم قدمت البقرة وآل عمران ، وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة ؟ فقال : قدمتا وألف القرآن على علم ممن ألفه ، وقد أجمعوا على العلم بذلك ، فهذا مما ينتهى إليه ولا يسأل عنه . قال
ابن وهب : وسمعت
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا يقول : إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12997أبو الحسن بن بطال : إنا نجد تأليف سوره في الرسم والخط خاصة ولا يعلم أن أحدا منهم
[ ص: 49 ] قال : إن ترتيب ذلك واجب في الصلاة وفي قراءة القرآن ودرسه ، وأنه لا يحل لأحد أن يقرأ الكهف قبل البقرة ، ولا الحج قبل الكهف ، ألا ترى إلى قول
عائشة : ولا يضرك أيه قرأت قبل . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة السورة في ركعة ، ثم يقرأ في الركعة الأخرى بغير السورة التي تليها .
وأما ما روي عن
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر أنهما كرها أن يقرأ القرآن منكوسا . وقالا إنما ذلك منكوس القلب ، فإنما عنيا بذلك
من يقرأ السورة منكوسة فيبتدئ بآخرها إلى أولها ، فإن ذلك حرام محذور .
ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
آدم ، عن
شعبة ، عن
أبي إسحاق قال : سمعت
عبد الرحمن بن يزيد قال : سمعت
ابن مسعود يقول في بني إسرائيل والكهف ومريم و " طه " والأنبياء : إنهن من العتاق الأول ، وهن من تلادي . انفرد
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بإخراجه ، والمراد منه ذكر ترتيب هذه السور في مصحف
ابن مسعود كالمصاحف العثمانية ، وقوله : من العتاق الأول أي : من قديم ما نزل ، وقوله : وهن من تلادي أي : من قديم ما قنيت وحفظت . والتالد في لغتهم : قديم المال والمتاع ، والطارف حديثه وجديده ، والله أعلم .
وحدثنا
أبو الوليد ، حدثنا
شعبة ، حدثنا
أبو إسحاق سمع
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب يقول : تعلمت
سبح اسم ربك الأعلى ) قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا متفق عليه ، وهو قطعة من حديث الهجرة ، والمراد منه أن
سبح اسم ربك الأعلى ) مكية نزلت قبل الهجرة ، والله أعلم .
ثم قال : حدثنا
عبدان ، عن
أبي حمزة ، عن
الأعمش ، عن
شقيق قال : قال
عبد الله : لقد علمت النظائر التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤهن اثنين اثنين في كل ركعة ، فقام
عبد الله ودخل معه
علقمة ، وخرج
علقمة فسألناه فقال : عشرون سورة من أول المفصل على تأليف
ابن مسعود ، آخرهن من الحواميم " حم الدخان " و " عم يتساءلون " .
وهذا التأليف الذي عن
ابن مسعود غريب مخالف لتأليف
عثمان - رضي الله عنه - فإن
المفصل في مصحف عثمان - رضي الله عنه - من سورة الحجرات إلى آخره وسورة الدخان ، لا تدخل فيه بوجه ، والدليل على ذلك ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا
عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي ، عن
عثمان بن عبد الله بن أوس الثقفي عن جده
أوس بن حذيفة قال : كنت في الوفد الذين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر حديثا فيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500716أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسمر معهم بعد العشاء فمكث عنا ليلة لم يأتنا ، حتى طال ذلك علينا بعد العشاء . قال : قلنا : ما أمكثك عنا يا رسول الله ؟ قال : طرأ علي حزب من القرآن ، فأردت ألا أخرج حتى أقضيه . قال : فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبحنا ، قال : قلنا : كيف تحزبون القرآن ؟ [ ص: 50 ] قالوا : نحزبه ثلاث سور ، وخمس سور ، وسبع سور ، وتسع سور ، وإحدى عشرة سورة ، وثلاث عشرة سورة ، وحزب المفصل من قاف حتى يختم .
ورواه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث
عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي به وهذا إسناد حسن .