(
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ( 175 )
ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ( 176 )
ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون ( 177 ) )
قال
عبد الرزاق ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
الأعمش ومنصور ، عن
أبي الضحى ، عن
مسروق ، [ ص: 507 ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، في قوله تعالى : (
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها [ فأتبعه ] ) الآية ، قال : هو رجل من
بني إسرائيل ، يقال له :
بلعم بن أبر . وكذا رواه
شعبة وغير واحد ، عن
منصور ، به .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن
قتادة ، عن
ابن عباس [ رضي الله عنهما ] هو
صيفي بن الراهب .
قال
قتادة : وقال
كعب : كان رجلا من أهل
البلقاء ، وكان يعلم الاسم الأكبر ، وكان مقيما
ببيت المقدس مع الجبارين .
وقال
العوفي ، عن
ابن عباس [ رضي الله عنهما ] هو رجل من أهل
اليمن ، يقال له : بلعم ، آتاه الله آياته فتركها .
وقال
مالك بن دينار : كان من علماء
بني إسرائيل ، وكان مجاب الدعوة ، يقدمونه في الشدائد ، بعثه نبي الله
موسى إلى ملك
مدين يدعوه إلى الله ، فأقطعه وأعطاه ، فتبع دينه وترك دين
موسى ، عليه السلام .
وقال
سفيان بن عيينة ، عن
حصين ، عن
عمران بن الحارث ، عن
ابن عباس [ رضي الله عنهما ] هو
بلعم بن باعر . وكذا قال
مجاهد وعكرمة .
وقال
ابن جرير : حدثني
الحارث ، حدثنا
عبد العزيز ، حدثنا
إسرائيل ، عن
مغيرة ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس [ رضي الله عنهما ] قال : هو
بلعام - وقالت
ثقيف : هو
أمية بن أبي الصلت .
وقال
شعبة ، عن
يعلى بن عطاء ، عن
نافع بن عاصم ، عن
عبد الله بن عمرو [ رضي الله عنهما ] في قوله : (
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه [ آياتنا ] ) قال : هو صاحبكم
أمية بن أبي الصلت .
وقد روي من غير وجه ، عنه وهو صحيح إليه ، وكأنه إنما أراد أن
أمية بن أبي الصلت يشبهه ، فإنه كان قد اتصل إليه علم كثير من علم الشرائع المتقدمة ، ولكنه لم ينتفع بعلمه ، فإنه أدرك زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبلغته أعلامه وآياته ومعجزاته ، وظهرت لكل من له بصيرة ، ومع هذا اجتمع به ولم يتبعه ، وصار إلى موالاة المشركين ومناصرتهم وامتداحهم ، ورثى
أهل بدر من المشركين بمرثاة بليغة ، قبحه الله [ تعالى ] وقد جاء في بعض الأحاديث : "
أنه ممن آمن لسانه ، ولم يؤمن قلبه " ; فإن له أشعارا ربانية وحكما وفصاحة ، ولكنه لم يشرح الله صدره للإسلام .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14771ابن أبي عمر ، حدثنا
سفيان عن
أبي سعيد الأعور ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس في قوله : (
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ) قال : هو رجل أعطي ثلاث دعوات يستجاب له فيهن ، وكانت له امرأة له منها ولد ، فقالت : اجعل لي منها واحدة . قال :
[ ص: 508 ] فلك واحدة ، فما الذي تريدين ؟ قالت : ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني إسرائيل . فدعا الله ، فجعلها أجمل امرأة في بني إسرائيل ، فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه ، وأرادت شيئا آخر ، فدعا الله أن يجعلها كلبة ، فصارت كلبة ، فذهبت دعوتان . فجاء بنوها فقالوا : ليس بنا على هذا قرار ، قد صارت أمنا كلبة يعيرنا الناس بها ، فادع الله أن يردها إلى الحال التي كانت عليها ، فدعا الله ، فعادت كما كانت ، فذهبت الدعوات الثلاث ، وسميت البسوس . غريب .
وأما المشهور في سبب نزول هذه الآية الكريمة ، فإنما هو رجل من المتقدمين في زمن
بني إسرائيل ، كما قال
ابن مسعود وغيره من السلف .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : هو رجل من
مدينة الجبارين ، يقال له : "
بلعام " وكان يعلم اسم الله الأكبر .
وقال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيره من علماء السلف : كان [ رجلا ] مجاب الدعوة ، ولا يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه .
وأغرب ، بل أبعد ، بل أخطأ من قال : كان قد أوتي النبوة فانسلخ منها . حكاه
ابن جرير ، عن بعضهم ، ولا يصح
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : لما نزل موسى بهم - يعني بالجبارين - ومن معه ، أتاه يعني
بلعام - أتاه بنو عمه وقومه ، فقالوا : إن موسى رجل حديد ، ومعه جنود كثيرة ، وإنه إن يظهر علينا يهلكنا ، فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه . قال : إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ، ذهبت دنياي وآخرتي . فلم يزالوا به حتى دعا عليهم ، فسلخه الله ما كان عليه ، فذلك قوله تعالى : (
فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان [ من الغاوين ] )
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : إن الله لما انقضت الأربعون سنة التي قال الله : (
فإنها محرمة عليهم أربعين سنة ) [ المائدة : 26 ]
بعث يوشع بن نون نبيا ، فدعا
بني إسرائيل ، فأخبرهم أنه نبي ، وأن الله [ قد ] أمره أن يقاتل الجبارين ، فبايعوه وصدقوه . وانطلق رجل من بني إسرائيل يقال له : "
بلعم " وكان عالما ، يعلم الاسم الأعظم المكتوم ، فكفر - لعنه الله - وأتى الجبارين وقال لهم : لا ترهبوا
بني إسرائيل ، فإني إذا خرجتم تقاتلونهم أدعوا عليهم دعوة فيهلكون ! وكان عندهم فيما شاء من الدنيا ، غير أنه كان لا يستطيع أن يأتي النساء ، يعظمهن فكان ينكح أتانا له ، وهو الذي قال الله تعالى ) فانسلخ منها )
[ ص: 509 ] وقوله : (
فأتبعه الشيطان ) أي : استحوذ عليه وغلبه على أمره ، فمهما أمره امتثل وأطاعه ; ولهذا قال : (
فكان من الغاوين ) أي : من الهالكين الحائرين البائرين .
وقد ورد في معنى هذه الآية حديث رواه الحافظ
أبو يعلى الموصلي في مسنده حيث قال : حدثنا
محمد بن مرزوق ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13853محمد بن بكر ، عن
الصلت بن بهرام ، حدثنا
الحسن ، حدثنا
جندب البجلي في هذا المسجد ; أن
حذيفة - يعني ابن اليمان ، رضي الله عنه - حدثه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=825189إن مما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن ، حتى إذا رؤيت بهجته عليه وكان ردء الإسلام اعتراه إلى ما شاء الله ، انسلخ منه ، ونبذه وراء ظهره ، وسعى على جاره بالسيف ، ورماه بالشرك " . قال : قلت : يا نبي الله ، أيهما أولى بالشرك : المرمي أو الرامي ؟ قال : " بل الرامي " .
هذا إسناد جيد
والصلت بن بهرام كان من ثقات
الكوفيين ، ولم يرم بشيء سوى الإرجاء ، وقد وثقه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل nindex.php?page=showalam&ids=17336ويحيى بن معين ، وغيرهما .
وقوله تعالى : (
ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه ) يقول تعالى : (
ولو شئنا لرفعناه بها ) أي : لرفعناه من التدنس عن قاذورات الدنيا بالآيات التي آتيناه إياها ، (
ولكنه أخلد إلى الأرض ) أي : مال إلى زينة الدنيا وزهرتها ، وأقبل على لذاتها ونعيمها ، وغرته كما غرت غيره من غير أولي البصائر والنهى .
وقال
أبو الزاهرية في قوله تعالى : (
ولكنه أخلد إلى الأرض ) قال : تراءى له الشيطان على غلوة من قنطرة
بانياس ، فسجدت الحمارة لله ، وسجد
بلعام للشيطان . وكذا قال
عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، وغير واحد .
وقال الإمام
أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله : وكان من قصة هذا الرجل : ما حدثنا
محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا
المعتمر ، عن أبيه : أنه سئل عن هذه الآية : (
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا [ فانسلخ منها ] ) فحدث عن
سيار أنه كان رجلا يقال له
بلعام ، وكان قد أوتي النبوة وكان مجاب الدعوة ، قال : وإن
موسى أقبل في
بني إسرائيل يريد الأرض التي فيها
بلعام - أو قال :
الشام - قال فرعب الناس منه رعبا شديدا ، قال : فأتوا
بلعام ، فقالوا : ادع الله على هذا الرجل وجيشه ! قال : حتى أوامر ربي - أو : حتى أؤامر - قال : فوامر في الدعاء عليهم ، فقيل له : لا تدع عليهم ، فإنهم عبادي ، وفيهم نبيهم . قال : فقال لقومه : إني قد آمرت ربي في الدعاء عليهم ، وإني قد نهيت . فأهدوا له هدية فقبلها ، ثم راجعوه فقالوا : ادع عليهم . فقال : حتى أوامر . فوامر ، فلم يحر إليه شيء . فقال : قد وامرت فلم يحر إلي شيء ! فقالوا : لو كره ربك أن تدعو عليهم لنهاك كما نهاك المرة الأولى . قال : فأخذ يدعو عليهم ، فإذا دعا عليهم ، جرى على لسانه الدعاء على قومه ، وإذا أراد أن يدعو أن يفتح
[ ص: 510 ] لقومه دعا أن يفتح
لموسى وجيشه - أو نحوا من ذا إن شاء الله . قال ما نراك تدعو إلا علينا . قال : ما يجري على لساني إلا هكذا ، ولو دعوت عليه أيضا ما استجيب لي ، ولكن سأدلكم على أمر عسى أن يكون فيه هلاكهم . إن الله يبغض الزنا ، وإنهم إن وقعوا بالزنا هلكوا ، ورجوت أن يهلكهم الله ، فأخرجوا النساء يستقبلنهم ; فإنهم قوم مسافرون ، فعسى أن يزنوا فيهلكوا . قال : ففعلوا . قال : فأخرجوا النساء يستقبلنهم . قال : وكان للملك ابنة ، فذكر من عظمها ما الله أعلم به ! قال : فقال أبوها - أو
بلعام - : لا تمكني نفسك إلا من
موسى ! قال : ووقعوا في الزنا . قال : وأتاها رأس سبط من أسباط
بني إسرائيل ، قال : فأرادها على نفسه ، فقالت : ما أنا بممكنة نفسي إلا من
موسى . قال : فقال : إن منزلتي كذا وكذا ، وإن من حالي كذا وكذا . قال : فأرسلت إلى أبيها تستأمره ، قال : فقال لها : فأمكنيه قال : ويأتيهما رجل من بني
هارون ومعه الرمح فيطعنهما . قال : وأيده الله بقوة . فانتظمهما جميعا ، ورفعهما على رمحه فرآهما الناس - أو كما حدث - قال : وسلط الله عليهم الطاعون ، فمات منهم سبعون ألفا .
قال
أبو المعتمر : فحدثني
سيار : أن
بلعام ركب حمارة له حتى أتى العلولى - أو قال : طريقا من العلولى - جعل يضربها ولا تقدم ، وقامت عليه فقالت : علام تضربني ؟ أما ترى هذا الذي بين يديك ؟ فإذا الشيطان بين يديه ، قال : فنزل وسجد له ، قال الله تعالى : (
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ) إلى قوله : ( لعلهم يتفكرون )
قال : فحدثني بهذا
سيار ، ولا أدري لعله قد دخل فيه شيء من حديث غيره .
قلت : هو
بلعام - ويقال :
بلعم - بن باعوراء ، ابن أبر . ويقال :
ابن باعور بن شهوم بن قوشتم بن ماب بن لوط بن هاران - ويقال : ابن حران - بن آزر . وكان يسكن قرية من قرى
البلقاء .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر : وهو الذي كان يعرف اسم الله الأعظم ، فانسلخ من دينه ، له ذكر في القرآن . ثم أورد من قصته نحوا مما ذكرنا هاهنا ، وأورده عن
وهب وغيره ، والله أعلم .
وقال
محمد بن إسحاق بن يسار عن
nindex.php?page=showalam&ids=15956سالم أبي النضر ; أنه حدث : أن
موسى ، عليه السلام ، لما نزل في أرض
بني كنعان من أرض
الشام ، أتى قوم
بلعام إليه فقالوا له : هذا
موسى بن عمران في
بني إسرائيل ، قد جاء يخرجنا من بلادنا ويقتلنا ويحلها
بني إسرائيل ، وإنا قومك ، وليس لنا منزل ، وأنت رجل مجاب الدعوة ، فاخرج فادع الله عليهم . قال : ويلكم ! نبي الله معه الملائكة والمؤمنون ، كيف أذهب أدعو عليهم ، وأنا أعلم من الله ما أعلم ؟ ! قالوا له : ما لنا من منزل ! فلم يزالوا به يرققونه ويتضرعون إليه ، حتى فتنوه فافتتن ، فركب حمارة له متوجها إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر
بني إسرائيل ، وهو
جبل حسبان ، فلما سار عليها غير كثير ، ربضت به ، فنزل عنها فضربها ، حتى إذا
[ ص: 511 ] أذلقها قامت فركبها . فلم تسر به كثيرا حتى ربضت به ، فضربها حتى إذا أذلقها أذن الله لها فكلمته حجة عليه ، فقالت : ويحك يا
بلعم : أين تذهب ؟ أما ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذا ؟ أتذهب إلى نبي الله والمؤمنين لتدعو عليهم ؟ فلم ينزع عنها يضربها ، فخلى الله سبيلها حين فعل بها ذلك . فانطلقت به حتى إذا أشرفت به على رأس حسبان ، على عسكر
موسى وبني إسرائيل ، جعل يدعو عليهم ، ولا يدعو عليهم بشر إلا صرف الله لسانه إلى قومه ، ولا يدعو لقومه بخير إلا صرف لسانه إلى
بني إسرائيل . فقال له قومه : أتدري يا
بلعم ما تصنع ؟ إنما تدعو لهم ، وتدعو علينا ! قال : فهذا ما لا أملك ، هذا شيء قد غلب الله عليه ! قال : واندلع لسانه فوقع على صدره ، فقال لهم : قد ذهبت مني الآن الدنيا والآخرة ، ولم يبق إلا المكر والحيلة ، فسأمكر لكم وأحتال ، جملوا النساء وأعطوهن السلع ، ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها فيه ، ومروهن فلا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها ، فإنهم إن زنى رجل منهم واحد كفيتموهم ، ففعلوا . فلما دخل النساء العسكر ، مرت امرأة من الكنعانيين اسمها "
كسبى ابنة صور ، رأس أمته " برجل من عظماء
بني إسرائيل ، وهو "
زمرى بن شلوم " ، رأس سبط
بني سمعان بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، عليهم السلام ، فقام إليها ، فأخذ بيدها حين أعجبه جمالها ، ثم أقبل بها حتى وقف بها على
موسى ، عليه السلام ، فقال : إني أظنك ستقول هذا حرام عليك ؟ قال : أجل ، هي حرام عليك ، لا تقربها . قال : فوالله لا نطيعك في هذا . ثم دخل بها قبته فوقع عليها . وأرسل الله ، عز وجل ، الطاعون في
بني إسرائيل ، وكان
فنحاص بن العيزار بن هارون ، صاحب أمر
موسى ، وكان غائبا حين صنع
زمرى بن شلوم ما صنع ، فجاء والطاعون يجوس في
بني إسرائيل ، فأخبر الخبر ، فأخذ حربته ، وكانت من حديد كلها ، ثم دخل القبة وهما متضاجعان ، فانتظمهما بحربته ، ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء ، والحربة قد أخذها بذراعه ، واعتمد بمرفقه على خاصرته ، وأسند الحربة إلى لحييه - وكان بكر العيزار - وجعل يقول : اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك . ورفع الطاعون ، فحسب من هلك من
بني إسرائيل في الطاعون فيما بين أن أصاب
زمرى المرأة إلى أن قتله
فنحاص ، فوجدوه قد هلك منهم سبعون ألفا - والمقلل لهم يقول : عشرون ألفا - في ساعة من النهار . فمن هنالك تعطي
بنو إسرائيل ولد
فنحاص من كل ذبيحة ذبحوها القبة والذراع واللحي - لاعتماده بالحربة على خاصرته ، وأخذه إياها بذراعه ، وإسناده إياها إلى لحييه - والبكر من كل أموالهم وأنفسهم ; لأنه كان بكر أبيه العيزار . ففي بلعام بن باعوراء أنزل الله : (
واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها [ فأتبعه الشيطان ] ) - إلى قوله : (
لعلهم يتفكرون )
وقوله تعالى : (
فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ) اختلف المفسرون في معناه فأما على سياق
ابن إسحاق ، عن
سالم بن أبي النضر : أن
بلعام اندلع لسانه على صدره - فتشبيهه بالكلب في لهثه في كلتا حالتيه إن زجر وإن ترك . وقيل : معناه : فصار مثله في ضلاله واستمراره فيه ، وعدم انتفاعه بالدعاء إلى الإيمان وعدم الدعاء ، كالكلب في لهثه في حالتيه ، إن
[ ص: 512 ] حملت عليه وإن تركته ، هو يلهث في الحالين ، فكذلك هذا لا ينتفع بالموعظة والدعوة إلى الإيمان ولا عدمه ; كما قال تعالى : (
سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ) [ البقرة : 6 ] ، (
استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) [ التوبة : 80 ] ونحو ذلك .
وقيل : معناه : أن قلب الكافر والمنافق والضال ، ضعيف فارغ من الهدى ، فهو كثير الوجيب فعبر عن هذا بهذا ، نقل نحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري وغيره .
وقوله تعالى : (
فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ) يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : (
فاقصص القصص لعلهم ) أي : لعل
بني إسرائيل العالمين بحال
بلعام ، وما جرى له في إضلال الله إياه وإبعاده من رحمته ، بسبب أنه استعمل نعمة الله عليه - في تعليمه الاسم الأعظم الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب - في غير طاعة ربه ، بل دعا به على حزب الرحمن ، وشعب الإيمان ، أتباع عبده ورسوله في ذلك الزمان ، كليم الله
موسى بن عمران ، [ عليه السلام ] ; ولهذا قال : ( لعلهم يتفكرون ) أي : فيحذروا أن يكونوا مثله ; فإن الله قد أعطاهم علما ، وميزهم على من عداهم من الأعراب ، وجعل بأيديهم صفة
محمد صلى الله عليه وسلم يعرفونها كما يعرفون أبناءهم ، فهم أحق الناس وأولاهم باتباعه ومناصرته ومؤازرته ، كما أخبرتهم أنبياؤهم بذلك وأمرتهم به ; ولهذا من خالف منهم ما في كتابه وكتمه فلم يعلم به العباد ، أحل الله به ذلا في الدنيا موصولا بذل الآخرة .
وقوله : (
ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون ) يقول تعالى ساء مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا ، أي : ساء مثلهم أن شبهوا بالكلاب التي لا همة لها إلا في تحصيل أكلة أو شهوة ، فمن خرج عن حيز العلم والهدى وأقبل على شهوة نفسه ، واتبع هواه ، صار شبيها بالكلب ، وبئس المثل مثله ; ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=821422ليس لنا مثل السوء ، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه "
وقوله : (
وأنفسهم كانوا يظلمون ) أي : ما ظلمهم الله ، ولكن هم ظلموا أنفسهم ، بإعراضهم عن اتباع الهدى ، وطاعة المولى ، إلى الركون إلى دار البلى ، والإقبال على تحصيل اللذات وموافقة الهوى .