[ ص: 534 ] (
إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ( 201 )
وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ( 202 ) )
يخبر تعالى عن المتقين من عباده الذين أطاعوه فيما أمر ، وتركوا ما عنه زجر ، أنهم ) إذا مسهم ) أي : أصابهم " طيف " وقرأ آخرون : " طائف " ، وقد جاء فيه حديث ، وهما قراءتان مشهورتان ، فقيل : بمعنى واحد . وقيل : بينهما فرق ، ومنهم من فسر ذلك بالغضب ، ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه ، ومنهم من فسره بالهم بالذنب ، ومنهم من فسره بإصابة الذنب .
وقوله : ( تذكروا ) أي : عقاب الله وجزيل ثوابه ، ووعده ووعيده ، فتابوا وأنابوا ، واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب . (
فإذا هم مبصرون ) أي : قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه .
وقد أورد
الحافظ أبو بكر بن مردويه هاهنا حديث
محمد بن عمرو ، عن
أبي سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821454جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها طيف فقالت : يا رسول الله ، ادع الله أن يشفيني . فقال : " إن شئت دعوت الله فشفاك ، وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك " . فقالت : بل أصبر ، ولا حساب علي .
ورواه غير واحد من أهل السنن ، وعندهم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500968قالت يا رسول الله ، إني أصرع وأتكشف ، فادع الله أن يشفيني . فقال إن شئت دعوت الله أن يشفيك ، وإن شئت صبرت ولك الجنة ؟ " فقالت : بل أصبر ، ولي الجنة ، ولكن ادع الله أن لا أتكشف ، فدعا لها ، فكانت لا تتكشف .
وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في مستدركه ، وقال : صحيح على شرط
مسلم ، ولم يخرجاه
وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13359الحافظ ابن عساكر في ترجمة "
عمرو بن جامع " من تاريخه : أن شابا كان يتعبد في المسجد ، فهويته امرأة ، فدعته إلى نفسها ، وما زالت به حتى كاد يدخل معها المنزل ، فذكر هذه الآية : (
إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) فخر مغشيا عليه ، ثم أفاق فأعادها ، فمات . فجاء
عمر فعزى فيه أباه وكان قد دفن ليلا فذهب فصلى على قبره بمن معه ، ثم ناداه عمر فقال : يا فتى (
ولمن خاف مقام ربه جنتان ) [ الرحمن : 46 ] وأجابه الفتى من داخل القبر : يا عمر ، قد أعطانيهما ربي ، عز وجل ، في الجنة مرتين
وقوله : ( وإخوانهم ) أي : وإخوان الشياطين من الإنس ، كقوله : (
إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ) [ الإسراء : 27 ] وهم أتباعهم والمستمعون لهم القابلون لأوامرهم (
يمدونهم في الغي ) أي : تساعدهم الشياطين على [ فعل ] المعاصي ، وتسهلها عليهم وتحسنها لهم .
[ ص: 535 ] وقال ابن كثير : المد : الزيادة . يعني : يزيدونهم في الغي ، يعني الجهل والسفه .
( ثم لا يقصرون ) قيل : معناه إن الشياطين تمد ، والإنس لا تقصر في أعمالهم بذلك . كما قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس في قوله : ( وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ) قال : لا الإنس يقصرون عما يعملون من السيئات ، ولا الشياطين تمسك عنهم .
قيل : معناه كما رواه
العوفي ، عن
ابن عباس في قوله : (
يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ) قال : هم الجن ، يوحون إلى أوليائهم من الإنس ) ثم لا يقصرون ) يقول : لا يسأمون .
وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وغيره : يعني إن الشياطين يمدون أولياءهم من الإنس ولا تسأم من إمدادهم في الشر ; لأن ذلك طبيعة لهم وسجية ، لا تفتر فيه ولا تبطل عنه ، كما قال تعالى : (
ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا ) [ مريم : 83 ] قال
ابن عباس وغيره : تزعجهم إلى المعاصي إزعاجا .