[ ص: 27 ] (
ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ( 15 )
ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ( 16 ) )
يقول تعالى متوعدا على الفرار من الزحف بالنار لمن فعل ذلك : (
يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا ) أي : تقاربتم منهم ودنوتم إليهم ، (
فلا تولوهم الأدبار ) أي : تفروا وتتركوا أصحابكم ، (
ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال ) أي : يفر بين يدي قرنه مكيدة ؛ ليريه أنه [ قد ] خاف منه فيتبعه ، ثم يكر عليه فيقتله ، فلا بأس عليه في ذلك . نص عليه
سعيد بن جبير ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي .
وقال
الضحاك : أن يتقدم عن أصحابه ليرى غرة من العدو فيصيبها .
(
أو متحيزا إلى فئة ) أي : فر من هاهنا إلى فئة أخرى من المسلمين ، يعاونهم ويعاونوه فيجوز له ذلك ، حتى [ و ] لو كان في سرية ففر إلى أميره أو إلى الإمام الأعظم ، دخل في هذه الرخصة .
قال الإمام
أحمد : حدثنا
حسن ، حدثنا
زهير ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد ، عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=821471عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : كنت في سرية من سرايا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحاص الناس حيصة - وكنت فيمن حاص - فقلنا : كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب ؟ ثم قلنا : لو دخلنا المدينة فبتنا ؟ ثم قلنا : لو عرضنا أنفسنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا ؟ فأتيناه قبل صلاة الغداة ، فخرج فقال : من القوم ؟ فقلنا : نحن الفرارون . فقال : لا بل أنتم العكارون ، أنا فئتكم ، وأنا فئة المسلمين قال : فأتيناه حتى قبلنا يده .
وهكذا رواه
أبو داود ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، من طرق عن
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد وقال
الترمذي : حسن لا نعرفه إلا من حديثه .
ورواه
ابن أبي حاتم ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17347يزيد بن أبي زياد به .
وزاد في آخره : وقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية : ( أو متحيزا إلى فئة )
قال أهل العلم : معنى قوله : "
العكارون " أي : العطافون . وكذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في
أبي عبيد لما قتل على الجسر
بأرض فارس ، لكثرة الجيش من ناحية
المجوس ، فقال
عمر : لو انحاز إلي كنت له فئة . هكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين ، عن
عمر .
وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12081أبي عثمان النهدي ، عن
عمر قال : لما قتل
أبو عبيد قال
عمر : يا أيها الناس ، أنا فئتكم .
[ ص: 28 ] وقال
مجاهد : قال
عمر : أنا فئة كل مسلم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير ، عن
عمر : أيها الناس ، لا تغرنكم هذه الآية ، فإنما كانت يوم بدر ، وأنا فئة لكل مسلم .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
حسان بن عبد الله المصري ، حدثنا
خلاد بن سليمان الحضرمي ، حدثنا
نافع : أنه سأل
ابن عمر قلت : إنا قوم لا نثبت عند قتال عدونا ، ولا ندري من الفئة : إمامنا أو عسكرنا ؟ فقال : إن الفئة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقلت إن الله يقول : (
إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ) فقال : إنما نزلت هذه الآية في يوم
بدر ، لا قبلها ولا بعدها .
وقال
الضحاك في قوله : (
أو متحيزا إلى فئة ) المتحيز : الفار إلى النبي وأصحابه ، وكذلك من فر اليوم إلى أميره أو أصحابه .
فأما إن كان الفرار لا عن سبب من هذه الأسباب ، فإنه حرام وكبيرة من الكبائر ، لما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم في صحيحهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821028اجتنبوا السبع الموبقات . قيل : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات .
ولهذا الحديث شواهد من وجوه أخر ؛ ولهذا قال تعالى : (
فقد باء ) أي : رجع (
بغضب من الله ومأواه ) أي : مصيره ومنقلبه يوم ميعاده : (
جهنم وبئس المصير )
وقال الإمام
أحمد : حدثنا
زكريا بن عدي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16525عبيد الله بن عمرو الرقي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15941زيد بن أبي أنيسة ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15621جبلة بن سحيم ، عن
أبي المثنى العبدي ، nindex.php?page=hadith&LINKID=821472سمعت السدوسي - يعني ابن الخصاصية ، وهو بشير بن معبد - قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبايعه ، فاشترط علي : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، وأن أقيم الصلاة ، وأن أؤدي الزكاة ، وأن أحج حجة الإسلام ، وأن أصوم شهر رمضان ، وأن أجاهد في سبيل الله . فقلت : يا رسول الله ، أما اثنتان فوالله لا أطيقهما : الجهاد ، فإنهم زعموا أنه من ولى الدبر فقد باء بغضب من الله ، فأخاف إن حضرت ذلك خشعت نفسي وكرهت الموت . والصدقة ، فوالله ما لي إلا غنيمة وعشر ذود هن رسل أهلي وحمولتهم . فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده ، ثم حرك يده ، ثم قال : فلا جهاد ولا صدقة ، فيم تدخل الجنة إذا ؟ فقلت : يا رسول الله ، أنا أبايعك . فبايعته عليهن كلهن .
هذا حديث غريب من هذا الوجه ولم يخرجوه في الكتب الستة .
[ ص: 29 ] وقال الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=14687أبو القاسم الطبراني : حدثنا
أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة ، حدثنا
إسحاق بن إبراهيم أبو النضر ، حدثنا
يزيد بن ربيعة ، حدثنا
أبو الأشعث ، عن
ثوبان ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825217ثلاثة لا ينفع معهن عمل : الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، والفرار من الزحف .
وهذا أيضا حديث غريب جدا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني أيضا : حدثنا
العباس بن الفضل الأسفاطي ، حدثنا
موسى بن إسماعيل ، حدثنا
حفص بن عمر الشني ، حدثني
عمرو بن مرة قال : سمعت
بلال بن يسار بن زيد - مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : سمعت أبي حدث عن جدي قال : قال رسول الله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821473من قال : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو وأتوب إليه ، غفر له وإن كان قد فر من الزحف .
وهكذا رواه
أبو داود عن
موسى بن إسماعيل ، به . وأخرجه
الترمذي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
موسى بن إسماعيل به . وقال : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
قلت : ولا يعرف
nindex.php?page=showalam&ids=138لزيد مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه سواه .
وقد ذهب ذاهبون إلى أن الفرار إنما كان حراما على الصحابة ؛ لأنه - يعني الجهاد - كان فرض عين عليهم . وقيل : على
الأنصار خاصة ؛ لأنهم بايعوا على السمع والطاعة في المنشط والمكره . وقيل : [ إنما ] المراد بهذه الآية أهل
بدر خاصة ، يروى هذا عن
عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ، وأبي سعيد ، nindex.php?page=showalam&ids=12179وأبي نضرة ، nindex.php?page=showalam&ids=17191ونافع مولى ابن عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ، والحسن البصري ، وعكرمة ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم .
وحجتهم في هذا : أنه لم تكن عصابة لها شوكة يفيئون إليها سوى عصابتهم تلك ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821474اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض ؛ ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16874مبارك بن فضالة ، عن
الحسن في قوله : (
ومن يولهم يومئذ دبره ) قال : ذلك يوم
بدر ، فأما اليوم : فإن انحاز إلى فئة أو مصر - أحسبه قال : فلا بأس عليه .
وقال
ابن المبارك أيضا ، عن
ابن لهيعة : حدثني
يزيد بن أبي حبيب قال : أوجب الله تعالى لمن فر يوم
بدر النار ، قال : (
ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ) فلما كان يوم
أحد بعد ذلك قال : (
إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان [ إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ] ) (
ولقد عفا الله عنهم ) [ آل عمران : 155 ] ، ثم كان يوم
حنين بعد ذلك بسبع سنين ، قال : (
ثم وليتم مدبرين ) [ التوبة : 25 ] (
ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء ) [ التوبة : 27 ] .
[ ص: 30 ] وفي سنن
أبي داود ، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، ومستدرك
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم ، وتفسير
ابن جرير ، وابن مردويه ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15854داود بن أبي هند ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة ، عن
أبي سعيد أنه قال في هذه الآية : (
ومن يولهم يومئذ دبره ) إنما أنزلت في أهل
بدر وهذا كله لا ينفي أن يكون الفرار من الزحف حراما على غير أهل
بدر ، وإن كان سبب النزول فيهم ، كما دل عليه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة المتقدم ، من أن الفرار من الزحف من الموبقات ، كما هو مذهب الجماهير ، والله [ تعالى ] أعلم .