(
فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم ( 17 )
ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين ( 18 ) )
يبين تعالى أنه خالق أفعال العباد ، وأنه المحمود على جميع ما صدر عنهم من خير ؛ لأنه هو الذي وفقهم لذلك وأعانهم ؛ ولهذا قال : (
فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ) أي : ليس بحولكم وقوتكم قتلتم أعداءكم مع كثرة عددهم وقلة عددكم ، أي : بل هو الذي أظفركم [ بهم ونصركم ] عليهم كما قال تعالى : (
ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة [ فاتقوا الله لعلكم تشكرون ] ) [ آل عمران : 123 ] . وقال تعالى : (
لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ) [ التوبة : 25 ] يعلم - تبارك وتعالى - أن النصر ليس عن كثرة العدد ، ولا بلبس اللأمة والعدد ، وإنما النصر من عند الله تعالى كما قال : (
كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) [ البقرة : 249 ] .
ثم قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أيضا في شأن القبضة من التراب ، التي حصب بها وجوه المشركين يوم
بدر ، حين خرج من العريش بعد دعائه وتضرعه واستكانته ، فرماهم بها وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821475شاهت الوجوه . ثم أمر الصحابة أن يصدقوا الحملة إثرها ، ففعلوا ، فأوصل الله تلك الحصباء إلى أعين المشركين ، فلم يبق أحد منهم إلا ناله منها ما شغله عن حاله ؛ ولهذا قال [ تعالى ] (
وما رميت إذ رميت ) أي : هو الذي بلغ ذلك إليهم ، وكبتهم بها لا أنت .
قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825218رفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يديه - يعني يوم بدر - فقال : يا رب إن تهلك هذه العصابة ، فلن تعبد في الأرض أبدا . فقال له جبريل : خذ قبضة من التراب ، فارم بها في وجوههم ، فأخذ قبضة من التراب ، فرمى بها في وجوههم ، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة ، فولوا مدبرين .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي :
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه - يوم بدر : أعطني حصبا من الأرض . [ ص: 31 ] فناوله حصبا عليه تراب ، فرمى به في وجوه القوم ، فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه من ذلك التراب شيء ، ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم ، وأنزل الله : ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى )
وقال
أبو معشر المدني ، عن
محمد بن قيس nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي قالا
nindex.php?page=hadith&LINKID=825220لما دنا القوم بعضهم من بعض ، أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبضة من تراب ، فرمى بها في وجوه القوم ، وقال : شاهت الوجوه . فدخلت في أعينهم كلهم ، وأقبل أصحاب رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقتلونهم ويأسرونهم ، وكانت هزيمتهم في رمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى )
وقال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : في قوله [ تعالى ] (
وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) قال : هذا يوم
بدر ، nindex.php?page=hadith&LINKID=825221أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث حصيات فرمى بحصاة [ في ] ميمنة القوم ، وحصاة في ميسرة القوم ، وحصاة بين أظهرهم ، وقال : شاهت الوجوه ، فانهزموا .
وقد روي في هذه القصة عن
عروة بن الزبير ، ومجاهد وعكرمة ، وقتادة وغير واحد من الأئمة : أنها نزلت في رمية النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم
بدر ، وإن كان قد فعل ذلك يوم
حنين أيضا .
وقال
أبو جعفر بن جرير : حدثنا
أحمد بن منصور ، حدثنا
يعقوب بن محمد ، حدثنا
عبد العزيز بن عمران ، حدثنا
موسى بن يعقوب بن عبد الله بن زمعة ، عن
يزيد بن عبد الله ، عن
أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500974عن حكيم بن حزام قال : لما كان يوم بدر ، سمعنا صوتا وقع من السماء ، كأنه صوت حصاة وقعت في طست ، ورمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الرمية ، فانهزمنا .
غريب من هذا الوجه . وهاهنا قولان آخران غريبان جدا .
أحدهما : قال
ابن جرير : حدثني
محمد بن عوف الطائي ، حدثنا
أبو المغيرة ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16230صفوان بن عمرو ، حدثنا
عبد الرحمن بن جبير ؛
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم ابن أبي الحقيق بخيبر ، دعا بقوس ، فأتى بقوس طويلة ، وقال : جيئوني غيرها . فجاءوا بقوس كبداء ، فرمى النبي - صلى الله عليه وسلم - الحصن ، فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق ، وهو في فراشه ، فأنزل الله - عز وجل - : ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى )
وهذا غريب ، وإسناده جيد إلى
عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، ولعله اشتبه عليه ، أو أنه أراد أن الآية تعم هذا كله ، وإلا فسياق الآية في سورة الأنفال في قصة
بدر لا محالة ، وهذا مما لا يخفى على أئمة العلم ، والله أعلم .
[ ص: 32 ] والثاني : روى
ابن جرير أيضا ،
nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم في مستدركه ، بإسناد صحيح إلى
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري أنهما قالا أنزلت في رمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم
أحد أبي بن خلف بالحربة وهو في لأمته ، فخدشه في ترقوته ، فجعل يتدأدأ عن فرسه مرارا ، حتى كانت وفاته [ بها ] بعد أيام ، قاسى فيها العذاب الأليم موصولا بعذاب البرزخ المتصل بعذاب الآخرة .
وهذا القول عن هذين الإمامين غريب أيضا جدا ، ولعلهما أرادا أن الآية تتناوله بعمومها ، لا أنها نزلت فيه خاصة كما تقدم ، والله أعلم .
وقال
محمد بن إسحاق : حدثني
محمد بن جعفر بن الزبير ، عن
عروة بن الزبير في قوله : (
وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا ) أي : ليعرف المؤمنين من نعمته عليهم ، من إظهارهم على عدوهم مع كثرة عدوهم ، وقلة عددهم ، ليعرفوا بذلك حقه ، ويشكروا بذلك نعمته .
وهكذا فسر ذلك
ابن جرير أيضا . وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500975وكل بلاء حسن أبلانا .
وقوله : (
إن الله سميع عليم ) أي : سميع الدعاء ، عليم بمن يستحق النصر والغلب .
وقوله (
ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين ) هذه بشارة أخرى مع ما حصل من النصر : أنه أعلمهم تعالى بأنه مضعف كيد الكافرين فيما يستقبل ، مصغرا أمرهم ، وأنهم كل ما لهم في تبار ودمار ، ولله الحمد والمنة .