(
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ( 20 )
ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ( 21 )
إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ( 22 )
ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ( 23 ) )
يأمر تعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله ، ويزجرهم عن مخالفته والتشبه بالكافرين به المعاندين له ؛ ولهذا قال : (
ولا تولوا عنه ) أي : تتركوا طاعته وامتثال أوامره وترك زواجره ، (
وأنتم تسمعون ) أي : بعد ما علمتم ما دعاكم إليه .
(
ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ) قيل : المراد المشركون . واختاره
ابن جرير .
وقال
ابن إسحاق : هم المنافقون ؛ فإنهم يظهرون أنهم قد سمعوا واستجابوا ، وليسوا كذلك .
ثم أخبر تعالى أن هذا الضرب من بني آدم شر الخلق والخليقة ، فقال : (
إن شر الدواب عند الله الصم )
[ ص: 34 ] أي : عن سماع الحق ( البكم ) عن فهمه ؛ ولهذا قال : (
الذين لا يعقلون ) فهؤلاء شر البرية ؛ لأن كل دابة مما سواهم مطيعة لله [ عز وجل ] فيما خلقها له ، وهؤلاء خلقوا للعبادة فكفروا ؛ ولهذا شبههم بالأنعام في قوله : (
ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء [ صم بكم عمي فهم لا يعقلون ] ) [ البقرة : 171 ] . وقال في الآية الأخرى : (
أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ) [ الأعراف : 179 ] .
وقيل : المراد بهؤلاء المذكورين نفر من
بني عبد الدار من
قريش . روي عن
ابن عباس ومجاهد ، واختاره
ابن جرير ، وقال
محمد بن إسحاق : هم المنافقون .
قلت : ولا منافاة بين المشركين والمنافقين في هذا ؛ لأن كلا منهم مسلوب الفهم الصحيح ، والقصد إلى العمل الصالح .
ثم أخبر تعالى بأنهم لا فهم لهم صحيح ، ولا قصد لهم صحيح ، لو فرض أن لهم فهما ، فقال : (
ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ) أي : لأفهمهم ، وتقدير الكلام : ولكن لا خير فيهم فلم يفهمهم ؛ لأنه يعلم أنه (
ولو أسمعهم ) أي : أفهمهم ) لتولوا ) عن ذلك قصدا وعنادا بعد فهمهم ذلك ، (
وهم معرضون ) عنه .