(
وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين ( 31 )
وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ( 32 )
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( 33 ) )
يخبر تعالى عن كفر
قريش وعتوهم وتمردهم وعنادهم ، ودعواهم الباطل عند سماع آياته حين تتلى عليهم أنهم يقولون : (
قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ) وهذا منهم قول لا فعل ، وإلا فقد تحدوا غير ما مرة أن يأتوا بسورة من مثله فلا يجدون إلى ذلك سبيلا . وإنما هذا قول منهم يغرون به أنفسهم ومن اتبعهم على باطلهم .
وقد قيل : إن القائل لذلك هو
النضر بن الحارث - لعنه الله - كما قد نص على ذلك
سعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج وغيرهم ؛ فإنه - لعنه الله - كان قد ذهب إلى
بلاد فارس ، وتعلم من أخبار ملوكهم
رستم واسفنديار ، ولما قدم وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بعثه الله ، وهو يتلو على الناس القرآن ، فكان إذا قام - صلى الله عليه وسلم - من مجلس ، جلس فيه النضر فيحدثهم من أخبار أولئك ، ثم يقول : بالله أيهما أحسن قصصا ؟ أنا أو محمد ؟ ولهذا لما أمكن الله تعالى منه يوم
بدر ووقع في الأسارى ،
أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تضرب رقبته صبرا بين يديه ، ففعل ذلك ، ولله الحمد . وكان الذي أسره
المقداد بن [ ص: 47 ] الأسود - رضي الله عنه - كما قال
ابن جرير :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، حدثنا
محمد بن جعفر ، حدثنا
شعبة ، عن
أبي بشر ، عن
سعيد بن جبير قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500977قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر صبرا عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي ، والنضر بن الحارث . وكان المقداد أسر النضر ، فلما أمر بقتله ، قال المقداد : يا رسول الله ، أسيري . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنه كان يقول في كتاب الله - عز وجل - ما يقول . فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتله ، فقال المقداد : يا رسول الله ، أسيري . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم أغن المقداد من فضلك . فقال المقداد : هذا الذي أردت . قال : وفيه أنزلت هذه الآية : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين )
وكذا رواه
هشيم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11937أبي بشر جعفر بن أبي وحشية ، عن
سعيد بن جبير ؛ أنه قال :
" المطعم بن عدي بدل " طعيمة " وهو غلط ؛ لأن
المطعم بن عدي لم يكن حيا يوم
بدر ؛ ولهذا
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500979قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ : لو كان المطعم حيا ، ثم سألني في هؤلاء النتنى لوهبتهم له - يعني : الأسارى - لأنه كان قد أجار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم رجع من الطائف .
ومعنى : (
أساطير الأولين ) وهو جمع أسطورة ، أي : كتبهم اقتبسها ، فهو يتعلم منها ويتلوها على الناس . وهذا هو الكذب البحت ، كما أخبر الله عنهم في الآية الأخرى : (
وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما ) [ الفرقان : 5 ، 6 ] . أي : لمن تاب إليه وأناب ؛ فإنه يتقبل منه ويصفح عنه .
وقوله : (
وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) هذا من كثرة جهلهم وعتوهم وعنادهم وشدة تكذيبهم ، وهذا مما عيبوا به ، وكان الأولى لهم أن يقولوا : اللهم ، إن كان هذا هو الحق من عندك ، فاهدنا له ، ووفقنا لاتباعه . ولكن استفتحوا على أنفسهم ، واستعجلوا العذاب ، وتقديم العقوبة كما قال تعالى : (
ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون ) [ العنكبوت : 53 ] ، (
وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ) [ ص : 16 ] ، (
سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج ) [ المعارج : 1 - 3 ] ، وكذلك قال الجهلة من الأمم السالفة ، كما قال
قوم شعيب له : (
فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين ) [ الشعراء : 187 ] ، وقال هؤلاء : (
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم )
[ ص: 48 ]
قال
شعبة ، عن
عبد الحميد ، صاحب الزيادي ، عن
أنس بن مالك قال : هو
أبو جهل بن هشام قال : (
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) فنزلت (
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) الآية .
رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=16923ومحمد بن النضر ، كلاهما عن
عبيد الله بن معاذ ، عن أبيه ، عن
شعبة ، به
nindex.php?page=showalam&ids=12236 .
وأحمد هذا هو : أحمد بن النضر بن عبد الوهاب . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11797الحاكم أبو أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم أبو عبد الله النيسابوري ، والله أعلم .
وقال
الأعمش ، عن رجل ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس في قوله : (
وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) قال : هو
النضر بن الحارث بن كلدة ، قال : فأنزل الله : (
سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع ) [ المعارج : 1 - 2 ] وكذا قال
مجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : إنه
النضر بن الحارث - زاد
عطاء : فقال الله تعالى : (
وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ) [ ص : 16 ] وقال (
ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ) [ الأنعام : 94 ] وقال (
سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع ) [ المعارج : 1 ، 2 ] ، قال
عطاء : ولقد أنزل فيه بضع عشرة آية من كتاب الله ، عز وجل .
وقال
ابن مردويه : حدثنا
محمد بن إبراهيم ، حدثنا
الحسن بن أحمد بن الليث ، حدثنا
أبو غسان حدثنا
أبو تميلة ، حدثنا
الحسين ، عن
ابن بريدة ، عن أبيه قال : رأيت
عمرو بن العاص واقفا يوم أحد على فرس ، وهو يقول : اللهم ، إن كان ما يقول
محمد حقا ، فاخسف بي وبفرسي .
وقال
قتادة في قوله : (
وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ) الآية ، قال : قال ذلك سفهة هذه الأمة وجهلتها فعاد الله بعائدته ورحمته على سفهة هذه الأمة وجهلتها .
وقوله تعالى : (
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) قال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
أبو حذيفة موسى بن مسعود ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16585عكرمة بن عمار ، عن
أبي زميل سماك الحنفي ، عن
ابن عباس قال : كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : قد قد ! ويقولون : لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك . ويقولون : غفرانك ، غفرانك ، فأنزل الله : (
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) قال
ابن عباس : كان فيهم أمانان : النبي - صلى الله عليه وسلم - والاستغفار ، فذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - وبقي الاستغفار .
[ ص: 49 ] وقال
ابن جرير : حدثني
الحارث ، حدثنا
عبد العزيز ، حدثنا
أبو معشر ، عن
يزيد بن رومان ومحمد بن قيس قالا قالت
قريش بعضها لبعض : محمد أكرمه الله من بيننا (
اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) فلما أمسوا ندموا على ما قالوا ، فقالوا : غفرانك اللهم ! فأنزل الله - عز وجل - : (
وما كان الله [ ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله ] معذبهم وهم يستغفرون ) إلى قوله : (
ولكن أكثرهم لا يعلمون ) [ الأنفال : 34 ] .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : (
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) يقول : ما كان الله ليعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم ، ثم قال : (
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) يقول : وفيهم من قد سبق له من الله الدخول في الإيمان ، وهو الاستغفار - يستغفرون ، يعني : يصلون - يعني بهذا أهل مكة .
وروي عن
مجاهد ، وعكرمة ، nindex.php?page=showalam&ids=16574وعطية العوفي ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي نحو ذلك .
وقال
الضحاك وأبو مالك : (
وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) يعني : المؤمنين الذين كانوا
بمكة .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
عبد الغفار بن داود ، حدثنا
النضر بن عربي [ قال ] قال
ابن عباس : إن الله جعل في هذه الأمة أمانين لا يزالون معصومين مجارين من قوارع العذاب ما داما بين أظهرهم : فأمان قبضه الله إليه ، وأمان بقي فيكم ، قوله : (
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون )
قال
أبو صالح عبد الغفار : حدثني بعض أصحابنا ، أن
النضر بن عربي حدثه هذا الحديث ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس .
وروى
ابن مردويه nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري نحوا من هذا وكذا روي عن
قتادة وأبي العلاء النحوي المقرئ .
وقال
الترمذي : حدثنا
سفيان بن وكيع ، حدثنا
ابن نمير ، عن
إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، عن
عباد بن يوسف ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11935أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنزل الله علي أمانين لأمتي : (
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) فإذا مضيت ، تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة
ويشهد لهذا ما رواه الإمام
أحمد في مسنده ،
nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم في مستدركه ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب : أخبرني
عمرو بن الحارث ، عن
دراج ، عن
أبي الهيثم ، عن
أبي سعيد ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
[ ص: 50 ] قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500980إن الشيطان قال : وعزتك يا رب ، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم . فقال الرب : وعزتي وجلالي ، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني .
ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .
وقال الإمام
أحمد : حدثنا
معاوية بن عمرو ، حدثنا
رشدين - هو ابن سعد - حدثني
معاوية بن سعد التجيبي ، عمن حدثه ، عن
فضالة بن عبيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3500981العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله ، عز وجل .