(
إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور ( 43 )
وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور ( 44 ) )
قال
مجاهد : أراه الله إياهم في منامه قليلا فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بذلك ، فكان تثبيتا لهم .
وكذا قال
ابن إسحاق وغير واحد . وحكى
ابن جرير عن بعضهم أنه رآهم بعينه التي ينام بها .
وقد روى
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
يوسف بن موسى المدبر ، حدثنا
أبو قتيبة ، عن
سهل السراج ، عن
الحسن في قوله : (
إذ يريكهم الله في منامك قليلا ) قال : بعينك .
وهذا القول غريب ، وقد صرح بالمنام هاهنا ، فلا حاجة إلى التأويل الذي لا دليل عليه .
وقوله : (
ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ) أي : لجبنتم عنهم واختلفتم فيما بينكم ، (
ولكن الله سلم ) أي : من ذلك : بأن أراكهم قليلا (
إنه عليم بذات الصدور ) أي : بما تجنه الضمائر ، وتنطوي عليه الأحشاء ، فيعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور .
وقوله : (
وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ) وهذا أيضا من لطفه تعالى بهم ، إذ أراهم إياهم قليلا في رأي العين ، فيجرؤهم عليهم ، ويطمعهم فيهم .
[ ص: 70 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبو إسحاق السبيعي ، عن
أبي عبيدة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : لقد قللوا في أعيننا يوم
بدر ، حتى قلت لرجل إلى جانبي : تراهم سبعين ؟ قال : لا بل [ هم ] مائة ، حتى أخذنا رجلا منهم فسألناه ، قال : كنا ألفا . رواه
ابن أبي حاتم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير .
وقوله : (
ويقللكم في أعينهم ) قال
ابن أبي حاتم : حدثنا
سليمان بن حرب ، حدثنا
حماد بن زيد ، عن
الزبير بن الخريت عن
عكرمة : (
وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ) قال : حضض بعضهم على بعض .
إسناد صحيح .
وقال
محمد بن إسحاق : حدثني
يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه في قوله تعالى : (
ليقضي الله أمرا كان مفعولا ) أي : ليلقي بينهم الحرب ؛ للنقمة ممن أراد الانتقام منه ، والإنعام على من أراد تمام النعمة عليه من أهل ولايته .
ومعنى هذا أنه تعالى أغرى كلا من الفريقين بالآخر ، وقلله في عينه ليطمع فيه ، وذلك عند المواجهة . فلما التحم القتال
وأيد الله المؤمنين بألف من الملائكة مردفين ، بقي حزب الكفار يرى حزب الإيمان ضعفيه ، كما قال تعالى : (
قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ) [ آل عمران : 13 ] ، وهذا هو الجمع بين هاتين الآيتين ، فإن كلا منها حق وصدق ، ولله الحمد والمنة .