(
وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم ( 101 ) )
[ ص: 204 ]
يخبر تعالى رسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، أن في أحياء العرب ممن حول المدينة منافقين ، وفي
أهل المدينة أيضا منافقون (
مردوا على النفاق ) أي : مرنوا واستمروا عليه : ومنه يقال : شيطان مريد ومارد ، ويقال : تمرد فلان على الله ، أي : عتا وتجبر .
وقوله : (
لا تعلمهم نحن نعلمهم ) لا ينافي قوله تعالى : (
ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ) الآية [ محمد : 30 ] ؛ لأن هذا من باب التوسم فيهم بصفات يعرفون بها ، لا أنه يعرف جميع من عنده من أهل النفاق والريب على التعيين . وقد كان يعلم أن في بعض من يخالطه من أهل المدينة نفاقا ، وإن كان يراه صباحا ومساء ، وشاهد هذا بالصحة ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في مسنده حيث قال :
حدثنا
محمد بن جعفر ، حدثنا
شعبة ، عن
النعمان بن سالم ، عن رجل ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501096عن جبير بن مطعم ، رضي الله عنه ، قال : قلت : يا رسول الله ، إنهم يزعمون أنه ليس لنا أجر بمكة ، فقال : لتأتينكم أجوركم ولو كنتم في جحر ثعلب " وأصغى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه فقال : " إن في أصحابي منافقين "
ومعناه : أنه قد يبوح بعض المنافقين والمرجفين من الكلام بما لا صحة له ، ومن مثلهم صدر هذا الكلام الذي سمعه
جبير بن مطعم . وتقدم في تفسير قوله : (
وهموا بما لم ينالوا ) [ التوبة : 74 ] أنه عليه السلام أعلم
حذيفة بأعيان أربعة عشر أو خمسة عشر منافقا ، وهذا تخصيص لا يقتضي أنه اطلع على أسمائهم وأعيانهم كلهم ، والله أعلم .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13359الحافظ ابن عساكر في ترجمة "
أبي عمر البيروتي " من طريق
هشام بن عمار : حدثنا
صدقة بن خالد ، حدثنا
بن جابر ، حدثني
شيخ بيروت يكنى أبا عمر ، أظنه حدثني عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ؛
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501097أن رجلا يقال له " حرملة " أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الإيمان هاهنا - وأشار بيده إلى لسانه - والنفاق هاهنا - وأشار بيده إلى قلبه ولم يذكر الله إلا قليلا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم اجعل له لسانا ذاكرا ، وقلبا شاكرا ، وارزقه حبي ، وحب من يحبني ، وصير أمره إلى خير " . فقال : يا رسول الله ، إنه كان لي أصحاب من المنافقين وكنت رأسا فيهم ، أفلا آتيك بهم ؟ قال : " من أتانا استغفرنا له ، ومن أصر على دينه فالله أولى به ، ولا تخرقن على أحد سترا " قال : وكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11797أبو أحمد الحاكم ، عن
أبي بكر الباغندي ، عن
هشام بن عمار ، به .
وقال
عبد الرزاق : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في هذه الآية أنه قال : ما بال أقوام يتكلفون علم
[ ص: 205 ] الناس ؟ فلان في الجنة وفلان في النار . فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال : لا أدري ! لعمري أنت بنفسك أعلم منك بأحوال الناس ، ولقد تكلفت شيئا ما تكلفه الأنبياء قبلك . قال نبي الله
نوح : (
قال وما علمي بما كانوا يعملون ) [ الشعراء : 112 ] وقال نبي الله
شعيب : (
بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ ) [ هود : 86 ] وقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : (
لا تعلمهم نحن نعلمهم ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي مالك ، عن
ابن عباس في هذه الآية قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501098قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا يوم الجمعة فقال : " اخرج يا فلان ، فإنك منافق ، واخرج يا فلان فإنك منافق " . فأخرج من المسجد ناسا منهم ، فضحهم . فجاء
عمر وهم يخرجون من المسجد فاختبأ منهم حياء أنه لم يشهد الجمعة وظن أن الناس قد انصرفوا ، واختبئوا هم من
عمر ، ظنوا أنه قد علم بأمرهم . فجاء
عمر فدخل المسجد فإذا الناس لم يصلوا ، فقال له رجل من المسلمين : أبشر يا
عمر ، قد فضح الله المنافقين اليوم . قال
ابن عباس : فهذا العذاب الأول حين أخرجهم من المسجد ، والعذاب الثاني عذاب القبر
وكذا قال
الثوري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي ، عن
أبي مالك نحو هذا .
وقال
مجاهد في قوله : (
سنعذبهم مرتين ) يعني : القتل والسباء وقال - في رواية - بالجوع ، وعذاب القبر ، (
ثم يردون إلى عذاب عظيم )
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : عذاب الدنيا ، وعذاب القبر ، ثم يردون إلى عذاب النار .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : عذاب في الدنيا ، وعذاب في القبر
وقال
عبد الرحمن بن زيد : أما عذاب في الدنيا فالأموال والأولاد ، وقرأ قول الله (
فلا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا ) [ التوبة : 85 ] فهذه المصائب لهم عذاب ، وهي للمؤمنين أجر ، وعذاب في الآخرة في النار (
ثم يردون إلى عذاب عظيم ) قال : النار .
وقال
محمد بن إسحاق : (
سنعذبهم مرتين ) قال : هو - فيما بلغني - ما هم فيه من أمر الإسلام ، وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حسبة ، ثم عذابهم في القبور إذا صاروا إليها ، ثم العذاب العظيم الذي يردون إليه ، عذاب الآخرة والخلد فيه .
وقال
سعيد ، عن
قتادة في قوله : (
سنعذبهم مرتين ) عذاب الدنيا ، وعذاب القبر ، (
ثم يردون إلى عذاب عظيم )
[ ص: 206 ] ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أسر إلى
حذيفة باثني عشر رجلا من المنافقين ، فقال : " ستة منهم تكفيكهم الدبيلة : سراج من نار جهنم ، يأخذ في كتف أحدهم حتى يفضي إلى صدره ، وستة يموتون موتا " . وذكر لنا أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، كان إذا مات رجل ممن يرى أنه منهم ، نظر إلى
حذيفة ، فإن صلى عليه وإلا تركه . وذكر لنا أن
عمر قال
لحذيفة : أنشدك بالله ، أمنهم أنا ؟ قال : لا . ولا أومن منها أحدا بعدك .