(
والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون ( 107 )
لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ( 108 ) )
سبب نزول هذه الآيات الكريمات : أنه كان
بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها رجل من
الخزرج يقال له : "
أبو عامر الراهب " ، وكان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب ، وكان فيه عبادة في الجاهلية ، وله شرف في
الخزرج كبير . فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا إلى
المدينة ، واجتمع المسلمون عليه ، وصارت للإسلام كلمة عالية ، وأظهرهم الله يوم
بدر ، شرق اللعين
أبو عامر بريقه ، وبارز بالعداوة ، وظاهر بها ، وخرج فارا إلى كفار
مكة من مشركي
قريش فألبهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب ، وقدموا عام أحد ، فكان من أمر المسلمين ما كان ،
[ ص: 211 ] وامتحنهم الله ، وكانت العاقبة للمتقين .
وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصفين ، فوقع في إحداهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصيب ذلك اليوم ، فجرح في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السفلى ، وشج رأسه ، صلوات الله وسلامه عليه .
وتقدم
أبو عامر في أول المبارزة إلى قومه من
الأنصار ، فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته ، فلما عرفوا كلامه قالوا : لا أنعم الله بك عينا يا فاسق يا عدو الله ، ونالوا منه وسبوه . فرجع وهو يقول : والله لقد أصاب قومي بعدي شر . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاه إلى الله قبل فراره ، وقرأ عليه من القرآن ، فأبى أن يسلم وتمرد ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يموت بعيدا طريدا ، فنالته هذه الدعوة .
وذلك أنه لما فرغ الناس من أحد ، ورأى أمر الرسول ، صلوات الله وسلامه عليه في ارتفاع وظهور ، ذهب إلى
هرقل ، ملك
الروم ، يستنصره على النبي صلى الله عليه وسلم ، فوعده ومناه ، وأقام عنده ، وكتب إلى جماعة من قومه من
الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويغلبه ويرده عما هو فيه ، وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ويكون مرصدا له إذا قدم عليهم بعد ذلك ، فشرعوا في بناء مسجد مجاور
لمسجد قباء ، فبنوه وأحكموه ، وفرغوا منه قبل خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى تبوك ، وجاءوا فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي إليهم فيصلي في مسجدهم ، ليحتجوا بصلاته ، عليه السلام ، فيه على تقريره وإثباته ، وذكروا أنهم إنما بنوه للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية ، فعصمه الله من الصلاة فيه فقال : " إنا على سفر ، ولكن إذا رجعنا إن شاء الله " .
فلما قفل ، عليه السلام راجعا إلى
المدينة من
تبوك ، ولم يبق بينه وبينها إلا يوم أو بعض يوم ، نزل عليه الوحي بخبر
مسجد الضرار ، وما اعتمده بانوه من الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم
مسجد قباء ، الذي أسس من أول يوم على التقوى . فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة ، كما قال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس في قوله : (
والذين اتخذوا مسجدا ضرارا [ وكفرا وتفريقا بين المؤمنين ] ) وهم أناس من
الأنصار ، ابتنوا مسجدا ، فقال لهم
أبو عامر ، ابنوا مسجدا واستعدوا بما استطعتم من قوة ومن سلاح ، فإني ذاهب إلى
قيصر ملك
الروم ، فآتي بجند من
الروم وأخرج
محمدا وأصحابه . فلما فرغوا من مسجدهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : قد فرغنا من بناء مسجدنا ، فنحب أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة . فأنزل الله ، عز وجل : (
لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم ) إلى (
والله لا يهدي القوم الظالمين ) .
وكذا روي عن
سعيد بن جبير ،
ومجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير ،
وقتادة وغير واحد من العلماء .
وقال
محمد بن إسحاق بن يسار ، عن
الزهري ،
ويزيد بن رومان ،
وعبد الله بن أبي بكر ،
[ ص: 212 ] nindex.php?page=showalam&ids=16276وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم ، قالوا : أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني : من
تبوك - حتى نزل
بذي أوان - بلد بينه وبين
المدينة ساعة من نهار - وكان أصحاب
مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى
تبوك ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة ، والليلة المطيرة ، والليلة الشاتية ، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه . فقال : " إني على جناح سفر وحال شغل - أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولو قد قدمنا إن شاء الله تعالى أتيناكم فصلينا لكم فيه " . فلما نزل
بذي أوان أتاه خبر المسجد ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم
مالك بن الدخشم أخا
بني سالم بن عوف ،
nindex.php?page=showalam&ids=8131ومعن بن عدي - أو : أخاه
عامر بن عدي - أخا بلعجلان فقال : " انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فاهدماه وحرقاه " . فخرجا سريعين حتى أتيا
بني سالم بن عوف ، وهم رهط
مالك بن الدخشم ، فقال
مالك لمعن : أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي . فدخل أهله فأخذ سعفا من النخل ، فأشعل فيه نارا ، ثم خرجا يشتدان حتى دخلا المسجد وفيه أهله ، فحرقاه وهدماه وتفرقوا عنه . ونزل فيهم من القرآن ما نزل : (
والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا ) إلى آخر القصة . وكان الذين بنوه اثني عشر رجلا
خذام بن خالد ، من
بني عبيد بن زيد ، أحد
بني عمرو بن عوف ، ومن داره أخرج مسجد الشقاق ،
وثعلبة بن حاطب من بني عبيد وهو إلى
بني أمية بن زيد ،
ومعتب بن قشير ، من
[ بني ] ضبيعة بن زيد ،
وأبو حبيبة بن الأذعر ، من
بني ضبيعة بن زيد ،
وعباد بن حنيف ، أخو
سهل بن حنيف ، من
بني عمرو بن عوف ،
وجارية بن عامر ، وابناه :
مجمع بن جارية ،
وزيد بن جارية ونبتل [ بن ] الحارث ، وهم من
بني ضبيعة ، وبحزج وهو من
بني ضبيعة ،
وبجاد بن عثمان وهو من
بني ضبيعة ، [
ووديعة بن ثابت ، وهو إلى
بني أمية ] رهط
أبي لبابة بن عبد المنذر .
وقوله : (
وليحلفن ) أي : الذين بنوه (
إن أردنا إلا الحسنى ) أي : ما أردناه ببنيانه إلا خيرا ورفقا بالناس ، قال الله تعالى : (
والله يشهد إنهم لكاذبون ) أي : فيما قصدوا وفيما نووا ، وإنما بنوه ضرارا لمسجد قباء ، وكفرا بالله ، وتفريقا بين المؤمنين ، وإرصادا لمن حارب الله ورسوله ، وهو
أبو عامر الفاسق ، الذي يقال له : " الراهب " لعنه الله .
وقوله : (
لا تقم فيه أبدا ) نهي من الله لرسوله ، صلوات الله وسلامه عليه ، والأمة تبع له في ذلك ، عن أن يقوم فيه ، أي : يصلي فيه أبدا .
ثم حثه على الصلاة في
مسجد قباء الذي أسس من أول يوم بنائه على التقوى ، وهي طاعة الله ، وطاعة رسوله ، وجمعا لكلمة المؤمنين ومعقلا وموئلا للإسلام وأهله ؛ ولهذا قال تعالى : (
لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ) والسياق إنما هو في معرض مسجد قباء ؛ ولهذا جاء
[ ص: 213 ] في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " صلاة في
مسجد قباء كعمرة " . وفي الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501107أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور مسجد قباء راكبا وماشيا وفي الحديث :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بناه وأسسه أول قدومه ونزوله على بني عمرو بن عوف ، كان جبريل هو الذي عين له جهة القبلة فالله أعلم .
وقال
أبو داود : حدثنا
محمد بن العلاء ، حدثنا
معاوية بن هشام ، عن
يونس بن الحارث ، عن
إبراهيم بن أبي ميمونة ، عن
أبي صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501109 " نزلت هذه الآية في أهل قباء : ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا ) قال : كانوا يستنجون بالماء ، فنزلت فيهم الآية .
ورواه
الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، من حديث
يونس بن الحارث ، وهو ضعيف ، وقال
الترمذي : غريب من هذا الوجه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني : حدثنا
الحسن بن علي المعمري ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16949محمد بن حميد الرازي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13655سلمة بن الفضل ، عن
محمد بن إسحاق ، عن
الأعمش ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501110لما نزلت هذه الآية : ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا ) بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عويم بن ساعدة فقال : " ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم ؟ " . فقال : يا رسول الله ، ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل فرجه - أو قال : مقعدته - فقال النبي صلى الله عليه وسلم . " هو هذا " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
حسين بن محمد ، حدثنا
أبو أويس ، حدثنا
شرحبيل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=174عويم بن ساعدة الأنصاري : أنه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في
مسجد قباء ، فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501111إن الله تعالى قد أحسن [ عليكم الثناء ] في الطهور في قصة مسجدكم ، فما هذا الطهور الذي تطهرون به ؟ " فقالوا : والله - يا رسول الله - ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود ، فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط ، فغسلنا كما غسلوا .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13113ابن خزيمة في صحيحه .
وقال
هشيم ، عن
عبد الحميد المدني ، عن
إبراهيم بن إسماعيل الأنصاري :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501112أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [ ص: 214 ] لعويم بن ساعدة . " ما هذا الذي أثنى الله عليكم : ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) قالوا : يا رسول الله ، إنا نغسل الأدبار بالماء .
وقال
ابن جرير : حدثني
محمد بن عمارة الأسدي ، حدثنا
محمد بن سعد ، حدثنا
إبراهيم بن محمد ، عن
شرحبيل بن سعد قال : سمعت
خزيمة بن ثابت يقول : نزلت هذه الآية : (
فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) قال : كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط .
حديث آخر : قال
الإمام أحمد بن حنبل : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17294يحيى بن آدم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16872مالك - يعني : ابن مغول - سمعت
سيارا أبا الحكم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب ، عن
محمد بن عبد الله بن سلام قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501113لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني : قباء ، فقال : " إن الله ، عز وجل ، قد أثنى عليكم في الطهور خيرا ، أفلا تخبروني ؟ " . يعني : قوله تعالى : ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) فقالوا : يا رسول الله ، إنا نجده مكتوبا علينا في التوراة : الاستنجاء بالماء .
وقد صرح بأنه
مسجد قباء جماعة من السلف ، رواه
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس . ورواه
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
الزهري ، عن
عروة بن الزبير . وقاله
عطية العوفي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16327وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي ،
والحسن البصري ، ونقله
البغوي عن
سعيد بن جبير ،
وقتادة .
وقد ورد في الحديث الصحيح : أن
مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو في جوف
المدينة ، هو المسجد الذي أسس على التقوى . وهذا صحيح . ولا منافاة بين الآية وبين هذا ؛ لأنه إذا كان
مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم ،
فمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق الأولى والأحرى ؛ ولهذا قال
الإمام أحمد بن حنبل في مسنده :
حدثنا
أبو نعيم ، حدثنا
عبد الله بن عامر الأسلمي ، عن
عمران بن أبي أنس ، عن
سهل بن سعد ، عن
أبي بن كعب :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501114أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المسجد الذي أسس على التقوى مسجدي هذا " . تفرد به
أحمد .
حديث آخر : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، حدثنا
ربيعة بن عثمان التيمي ، عن
عمران بن أبي أنس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد الساعدي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501115اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال أحدهما : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الآخر : هو مسجد قباء . [ ص: 215 ]
فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه ، فقال : " هو مسجدي هذا " تفرد به
أحمد أيضا .
حديث آخر : قال
أحمد : حدثنا
موسى بن داود ، حدثنا
ليث ، عن
عمران بن أبي أنس ، عن
سعيد بن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501116تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال أحدهما : هو مسجد قباء ، وقال الآخر : هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هو مسجدي هذا " تفرد به
أحمد .
طريق أخرى : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
إسحاق بن عيسى ، حدثنا
ليث ، حدثني
عمران بن أبي أنس ، عن
ابن أبي سعيد ، عن أبيه أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501117تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم ، فقال رجل : هو مسجد قباء ، وقال الآخر : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو مسجدي " .
وكذا رواه
الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن
قتيبة ، عن
الليث وصححه
الترمذي ، ورواه
مسلم كما سيأتي .
طريق أخرى : قال
أحمد : حدثنا
يحيى ، عن
أنيس بن أبي يحيى ، حدثني أبي قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=44أبا سعيد الخدري قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501118اختلف رجلان : رجل من بني خدرة ، ورجل من بني عمرو بن عوف في المسجد الذي أسس على التقوى ، فقال الخدري : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال العمري : هو مسجد قباء ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك ، فقال : " هو هذا المسجد " لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : " في ذاك [ خير كثير ] يعني : مسجد قباء .
طريق أخرى : قال
أبو جعفر بن جرير : حدثنا
ابن بشار ، حدثنا
يحيى بن سعيد - حدثنا
حميد الخراط المدني ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501119سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن بن أبي سعيد فقلت : كيف سمعت أباك يقول في المسجد الذي أسس على التقوى ؟ فقال أبي : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه في بيت لبعض نسائه ، فقلت : يا رسول الله ، أين المسجد الذي أسس على التقوى ؟ قال : فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض ، ثم قال : " هو مسجدكم هذا " . ثم قال : [ فقلت له : هكذا ] سمعت أباك يذكره ؟ .
رواه
مسلم منفردا به عن
محمد بن حاتم ، عن
يحيى بن سعيد ، به ورواه عن
أبي بكر بن [ ص: 216 ] أبي شيبة وغيره ، عن
حاتم بن إسماعيل ، عن
حميد الخراط ، به .
وقد قال بأنه مسجد النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من السلف والخلف ، وهو مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، وابنه
عبد الله ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ،
nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب . واختاره
ابن جرير .
وقوله : (
لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) دليل على استحباب الصلاة في المساجد القديمة المؤسسة من أول بنائها على عبادة الله وحده لا شريك له ، وعلى استحباب الصلاة مع جماعة الصالحين ، والعباد العاملين المحافظين على إسباغ الوضوء ، والتنزه عن ملابسة القاذورات .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
محمد بن جعفر ، عن
شعبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير ، سمعت
شبيبا أبا روح يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؛
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501120أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح فقرأ بهم الروم فأوهم ، فلما انصرف قال : " إنه يلبس علينا القرآن ، إن أقواما منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء ، فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء " .
ثم رواه من طريقين آخرين ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16490عبد الملك بن عمير ، عن
شبيب أبي روح من ذي الكلاع : أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكره فدل هذا على أن إكمال الطهارة يسهل القيام في العبادة ، ويعين على إتمامها وإكمالها والقيام بمشروعاتها .
وقال
أبو العالية في قوله تعالى : (
والله يحب المطهرين ) إن الطهور بالماء لحسن ، ولكنهم المطهرون من الذنوب .
وقال
الأعمش : التوبة من الذنب ، والتطهير من الشرك .
وقد ورد في الحديث المروي من طرق ، في السنن وغيرها ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501121أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباء : " قد أثنى الله عليكم في الطهور ، فماذا تصنعون ؟ " فقالوا : نستنجي بالماء .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13863الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا
عبد الله بن شبيب ، حدثنا
أحمد بن محمد بن عبد العزيز قال : وجدته في كتاب أبي ، عن
الزهري ، عن
عبيد الله بن عبد الله ، عن
ابن عباس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501122نزلت هذه الآية في أهل قباء . ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نتبع الحجارة الماء .
ثم قال : تفرد به
محمد بن عبد العزيز ، عن
الزهري ، ولم يرو عنه سوى ابنه .
[ ص: 217 ]
قلت : وإنما ذكرته بهذا اللفظ لأنه مشهور بين الفقهاء ولم يعرفه كثير من المحدثين المتأخرين ، أو كلهم ، والله أعلم .