(
التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين ( 112 ) )
[ ص: 219 ]
هذا نعت المؤمنين الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بهذه الصفات الجميلة والخلال الجليلة : (
التائبون ) من الذنوب كلها ، التاركون للفواحش ، (
العابدون ) أي : القائمون بعبادة ربهم محافظين عليها ، وهي الأقوال والأفعال فمن أخص الأقوال الحمد ؛ فلهذا قال : (
الحامدون ) ومن أفضل الأعمال الصيام ، وهو ترك الملاذ من الطعام والشراب والجماع ، وهو المراد بالسياحة هاهنا ؛ ولهذا قال : (
السائحون ) كما وصف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله تعالى : (
سائحات ) [ التحريم : 5 ] أي : صائمات ، وكذا الركوع والسجود ، وهما عبارة عن الصلاة ، ولهذا قال : (
الراكعون الساجدون ) وهم مع ذلك ينفعون خلق الله ، ويرشدونهم إلى طاعة الله بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه ، وهو حفظ حدود الله في تحليله وتحريمه ، علما وعملا فقاموا بعبادة الحق ونصح الخلق ؛ ولهذا قال : (
وبشر المؤمنين ) لأن الإيمان يشمل هذا كله ، والسعادة كل السعادة لمن اتصف به .
[ بيان أن المراد بالسياحة الصيام ] :
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
عاصم ، عن
زر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال : (
السائحون ) الصائمون . وكذا روي عن
سعيد بن جبير ،
والعوفي عن
ابن عباس .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : كل ما ذكر الله في القرآن السياحة : هم الصائمون . وكذا قال
الضحاك ، رحمه الله .
وقال
ابن جرير : حدثنا
أحمد بن إسحاق ، حدثنا
أبو أحمد ، حدثنا
إبراهيم بن يزيد ، عن
الوليد بن عبد الله ، عن
عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : سياحة هذه الأمة الصيام .
وهكذا قال
مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=12067وأبو عبد الرحمن السلمي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك بن مزاحم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16008وسفيان بن عيينة وغيرهم : أن المراد بالسائحين : الصائمون .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : (
السائحون ) الصائمون شهر رمضان .
وقال
أبو عمرو العبدي : (
السائحون ) الذين يديمون الصيام من المؤمنين .
وقد ورد في حديث مرفوع نحو هذا ، وقال
ابن جرير : حدثني
محمد بن عبد الله بن بزيع ،
[ ص: 220 ] حدثنا
حكيم بن حزام ، حدثنا
سليمان ، عن
أبي صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السائحون هم الصائمون "
[ ثم رواه عن
بندار ، عن
ابن مهدي ، عن
إسرائيل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13726سليمان الأعمش ، عن
أبي صالح ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أنه قال : (
السائحون ) الصائمون ] .
وهذا الموقوف أصح .
وقال أيضا : حدثني
يونس ، عن
ابن وهب ، عن
عمر بن الحارث ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501125سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن السائحين فقال : " هم الصائمون " .
وهذا مرسل جيد .
فهذه أصح الأقوال وأشهرها ، وجاء ما يدل على أن السياحة الجهاد ، وهو ما روى
أبو داود في سننه ، من حديث
أبي أمامة nindex.php?page=hadith&LINKID=3501126أن رجلا قال : يا رسول الله ، ائذن لي في السياحة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " .
وقال
ابن المبارك ، عن
ابن لهيعة : أخبرني
عمارة بن غزية : أن السياحة ذكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أبدلنا الله بذلك الجهاد في سبيل الله ، والتكبير على كل شرف " .
وعن
عكرمة أنه قال : هم طلبة العلم . وقال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم المهاجرون . رواهما
ابن أبي حاتم .
وليس المراد من السياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبد بمجرد السياحة في الأرض ، والتفرد في شواهق الجبال والكهوف والبراري ، فإن هذا ليس بمشروع إلا في أيام الفتن والزلازل في الدين ، كما ثبت في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501128يوشك أن يكون خير مال الرجل غنم يتبع بها شعف الجبال ، ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن " .
وقال
العوفي وعلي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس في قوله : (
والحافظون لحدود الله ) قال : القائمون بطاعة الله . وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، وعنه رواية : (
والحافظون لحدود الله ) قال : لفرائض
[ ص: 221 ] الله ، وفي رواية : القائمون على أمر الله .