(
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ( 128 )
فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ( 129 ) )
يقول تعالى ممتنا على المؤمنين بما أرسل إليهم رسولا من أنفسهم ، أي : من جنسهم وعلى لغتهم ، كما قال
إبراهيم ، عليه السلام : (
ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ) [ البقرة : 129 ] ، وقال تعالى : (
لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ) [ آل عمران : 164 ] ، وقال تعالى : (
لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) أي : منكم وبلغتكم ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=888للنجاشي ، nindex.php?page=showalam&ids=19والمغيرة بن شعبة لرسول
كسرى : إن الله بعث فينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصفته ، ومدخله ومخرجه ، وصدقه وأمانته ، وذكر الحديث .
وقال
سفيان بن عيينة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر بن محمد ، عن أبيه في قوله تعالى : (
لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) قال : لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501151وقال صلى الله عليه وسلم : " خرجت من نكاح ، ولم أخرج من سفاح " .
وقد وصل هذا من وجه آخر ، كما قال
الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي في كتابه " الفاصل بين الراوي والواعي " : حدثنا
أبو أحمد يوسف بن هارون بن زياد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14771ابن أبي عمر ، حدثنا
محمد بن جعفر بن محمد قال : أشهد على أبي لحدثني ، عن أبيه ، عن جده ، عن
علي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825472قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح ، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي لم يمسني من سفاح الجاهلية شيء " .
وقوله : (
عزيز عليه ما عنتم ) أي : يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها ؛ ولهذا جاء في الحديث المروي من طرق عنه أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820436 " بعثت بالحنيفية السمحة " وفي الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821617 " إن هذا الدين يسر " وشريعته كلها سهلة سمحة كاملة ، يسيرة على من يسرها الله تعالى عليه .
(
حريص عليكم ) أي : على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني : حدثنا
محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا
محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ،
[ ص: 242 ] حدثنا
سفيان بن عيينة ، عن
فطر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11871أبي الطفيل ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=825473عن أبي ذر قال . تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما - قال : وقال صلى الله عليه وسلم : " ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
[ أبو ] قطن ، حدثنا
المسعودي ، عن
الحسن بن سعد ، عن
عبدة النهدي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821618 " إن الله لم يحرم حرمة إلا وقد علم أنه سيطلعها منكم مطلع ، ألا وإني آخذ بحجزكم أن تهافتوا في النار ، كتهافت الفراش ، أو الذباب " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
حسن بن موسى ، حدثنا
حماد بن سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد بن جدعان ، عن
يوسف بن مهران ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=821619عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ملكان ، فيما يرى النائم ، فقعد أحدهما عند رجليه والآخر عند رأسه . فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه : اضرب مثل هذا ومثل أمته . فقال : إن مثله ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى رأس مفازة فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به ، فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجل في حلة حبرة فقال : أرأيتم إن وردت بكم رياضا معشبة ، وحياضا رواء أتتبعوني ؟ فقالوا : نعم . قال : فانطلق بهم ، فأوردهم رياضا معشبة ، وحياضا رواء ، فأكلوا وشربوا وسمنوا ، فقال لهم : ألم ألقكم على تلك الحال ، فجعلتم لي إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء أن تتبعوني ؟ فقالوا : بلى . قال : فإن بين أيديكم رياضا هي أعشب من هذه ، وحياضا هي أروى من هذه ، فاتبعوني . فقالت طائفة : صدق ، والله لنتبعنه وقالت طائفة : قد رضينا بهذا نقيم عليه .
وقال
البزار : حدثنا
سلمة بن شبيب nindex.php?page=showalam&ids=12287وأحمد بن منصور قالا حدثنا
إبراهيم بن الحكم بن أبان حدثنا أبي ، عن
عكرمة nindex.php?page=hadith&LINKID=825474عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، رضي الله عنه ؛ أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعينه في شيء - قال عكرمة : أراه قال : " في دم " - فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، ثم قال : " أحسنت إليك ؟ " قال الأعرابي : لا ولا أجملت . فغضب بعض المسلمين ، وهموا أن يقوموا إليه ، فأشار رسول الله إليهم : أن كفوا . فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى منزله ، دعا الأعرابي إلى البيت ، فقال له : " إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك ، فقلت ما قلت " فزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، وقال : " أحسنت إليك ؟ " فقال الأعرابي : نعم ، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنك جئتنا تسألنا فأعطيناك ، فقلت ما قلت ، وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء ، فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي ، حتى يذهب عن صدورهم " . قال : نعم . فلما جاء الأعرابي . قال إن صاحبكم كان [ ص: 243 ] جاءنا فسألنا فأعطيناه ، فقال ما قال ، وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنه قد رضي ، [ كذلك يا أعرابي ؟ ] قال الأعرابي : نعم ، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة ، فشردت عليه ، فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورا . فقال لهم صاحب الناقة : خلوا بيني وبين ناقتي ، فأنا أرفق بها ، وأعلم بها . فتوجه إليها وأخذ لها من قتام الأرض ، ودعاها حتى جاءت واستجابت ، وشد عليها رحلها وإنه لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل النار " . ثم قال
البزار : لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه .
قلت : وهو ضعيف بحال
إبراهيم بن الحكم بن أبان ، والله أعلم .
وقوله : (
بالمؤمنين رءوف رحيم ) كما قال تعالى : (
واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين . فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون . وتوكل على العزيز الرحيم ) [ الشعراء : 215 - 217 ] .
وهكذا أمره تعالى .
وهذه الآية الكريمة ، وهي قوله تعالى : (
فإن تولوا ) أي : تولوا عما جئتهم به من الشريعة العظيمة المطهرة الكاملة الشاملة ، (
فقل حسبي الله ) أي : الله كافي ، لا إله إلا هو عليه توكلت ، كما قال تعالى : (
رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ المزمل : 9 ] .
(
وهو رب العرش العظيم ) أي : هو مالك كل شيء وخالقه ، لأنه رب العرش العظيم ، الذي هو ، سقف المخلوقات وجميع الخلائق من السماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورون بقدرة الله تعالى ، وعلمه محيط بكل شيء ، وقدره نافذ في كل شيء ، وهو على كل شيء وكيل .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن الإمام أحمد : حدثني
محمد بن أبي بكر ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15538بشر بن عمر ، حدثنا
شعبة ، عن
علي بن زيد ، عن
يوسف بن مهران ، عن
ابن عباس ، رضي الله عنهما ، عن
أبي بن كعب قال : آخر آية نزلت من القرآن هذه الآية : (
لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) إلى آخر السورة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا
روح بن عبد المؤمن ، حدثنا
عمر بن شقيق ، حدثنا
أبو جعفر الرازي ، عن
الربيع بن أنس ، عن
أبي العالية ، عن
أبي بن كعب ، رضي الله عنه ؛ أنهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة
أبي بكر ، رضي الله عنه ، فكان رجال يكتبون ويملي عليهم
أبي بن كعب ، فلما انتهوا إلى هذه الآية من سورة ( براءة ) : (
ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ) [ التوبة : 127 ] ، فظنوا أن هذا آخر ما أنزل من القرآن . فقال لهم
أبي بن كعب : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدها آيتين : (
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم )
[ ص: 244 ] إلى : (
وهو رب العرش العظيم ) قال : " هذا
آخر ما أنزل من القرآن " قال : فختم بما فتح به ، بالله الذي لا إله إلا هو ، وهو قول الله تعالى : (
وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] غريب أيضا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
علي بن بحر ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16969محمد بن سلمة ، عن
محمد بن إسحاق ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=821620عن يحيى بن عباد ، عن أبيه nindex.php?page=showalam&ids=16288عباد بن عبد الله بن الزبير ، رضي الله عنه ، قال : أتى الحارث بن خزمة بهاتين الآيتين من آخر ( براءة ) : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) إلى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، فقال : من معك على هذا ؟ قال : لا أدري ، والله إني لأشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتها وحفظتها . فقال عمر : وأنا أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم - ثم قال : لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة ، فانظروا سورة من القرآن ، فضعوها فيها . فوضعوها في آخر ( براءة ) .
وقد تقدم أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب هو الذي أشار على
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق ، رضي الله عنهما ، بجمع القرآن ، فأمر
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت فجمعه . وكان
عمر يحضرهم وهم يكتبون ذلك . وفي الصحيح أن
زيدا قال : فوجدت آخر سورة " براءة " مع
خزيمة بن ثابت - أو :
أبي خزيمة وقدمنا أن جماعة من الصحابة تذكروا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال
خزيمة بن ثابت حين ابتدأهم بها ، والله أعلم .
وقد روى
أبو داود ، عن
يزيد بن محمد ، عن
عبد الرزاق بن عمر - وقال : كان من ثقات المسلمين من المتعبدين ، عن
مدرك بن سعد - قال
يزيد : شيخ ثقة - عن
يونس بن ميسرة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12328أم الدرداء ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=821621عن nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء قال : من قال إذا أصبح وإذا أمسى : حسبي الله لا إله إلا هو ، عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم ، سبع مرات ، إلا كفاه الله ما أهمه .
وقد رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر في ترجمة "
عبد الرزاق بن عمر " هذا ، من رواية
أبى زرعة الدمشقي ، عنه ، عن
أبي سعد مدرك بن أبي سعد الفزاري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17421يونس بن ميسرة بن حليس ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=825475عن nindex.php?page=showalam&ids=12328أم الدرداء ، سمعت أبا الدرداء يقول : ما من عبد يقول : حسبي الله ، لا إله إلا هو ، عليه توكلت ، وهو رب العرش العظيم ، سبع مرات ، صادقا كان بها أو كاذبا ، إلا كفاه الله ما همه .
وهذه زيادة غريبة . ثم رواه في ترجمة
عبد الرزاق أبي محمد ، عن
أحمد بن عبد الله بن عبد الرزاق ، عن جده
عبد الرزاق بن عمر ، بسنده فرفعه فذكر مثله بالزيادة . وهذا منكر ، والله أعلم .
آخر سورة ( براءة ) ، والحمد لله وحده .