(
ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ( 28 )
فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين ( 29 )
هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون ( 30 ) )
يقول تعالى : (
ويوم نحشرهم ) أي : أهل الأرض كلهم ، من إنس وجن وبر وفاجر ، كما قال : (
وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا ) [ الكهف : 47 ] .
(
ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم ) أي : الزموا أنتم وهم مكانا معينا ، امتازوا فيه عن مقام المؤمنين ، كما قال تعالى : (
وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) [ يس : 59 ] ، وقال (
ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون ) [ الروم : 14 ] ، وفي الآية الأخرى : (
يومئذ يصدعون ) [ الروم : 43 ] أي : يصيرون صدعين ، وهذا يكون إذا جاء الرب تعالى لفصل القضاء ؛ ولهذا قيل : ذلك يستشفع المؤمنون إلى الله تعالى أن يأتي لفصل القضاء ويريحنا من مقامنا هذا ، وفي الحديث الآخر : " نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس .
[ ص: 265 ]
وقال الله تعالى في هذه الآية الكريمة إخبارا عما يأمر به المشركين وأوثانهم يوم القيامة : (
مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون ) أنكروا عبادتهم ، وتبرءوا منهم ، كما قال تعالى : (
[ كلا ] سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا ) الآية . [ مريم : 82 ] . وقال : (
إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ) [ البقرة : 166 ] ، وقال (
ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين ) [ الأحقاف : 5 ، 6 ] .
وقال في هذه الآية إخبارا عن قول الشركاء فيما راجعوا فيه عابديهم عند ادعائهم عبادتهم : (
فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين ) أي : ما كنا نشعر بها ولا نعلم ، وإنما أنتم كنتم تعبدوننا من حيث لا ندري بكم ، والله شهيد بيننا وبينكم أنا ما دعوناكم إلى عبادتنا ، ولا أمرناكم بها ، ولا رضينا منكم بذلك .
وفي هذا تبكيت عظيم للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره ، ممن لا يسمع ولا يبصر ، ولا يغني عنهم شيئا ، ولم يأمرهم بذلك ولا رضي به ولا أراده ، بل تبرأ منهم في وقت أحوج ما يكونون إليه ، وقد تركوا عبادة الحي القيوم ، السميع البصير ، القادر على كل شيء ، العليم بكل شيء وقد أرسل رسله وأنزل كتبه ، آمرا بعبادته وحده لا شريك له ، ناهيا عن عبادة ما سواه ، كما قال تعالى : (
ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة ) [ النحل : 36 ] ، وقال تعالى : (
وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] ، وقال : (
واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) [ الزخرف : 45 ] .
والمشركون أنواع وأقسام كثيرون ، قد ذكرهم الله في كتابه ، وبين أحوالهم وأقوالهم ، ورد عليهم فيما هم فيه أتم رد .
وقوله : (
هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت ) أي : في موقف الحساب يوم القيامة تختبر كل نفس وتعلم ما أسلفت من [ عملها من ] خير وشر ، كما قال تعالى : (
يوم تبلى السرائر ) [ الطارق : 9 ] ، وقال تعالى : (
ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ) [ القيامة : 13 ] ، وقال تعالى : (
ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) [ الإسراء : 13 ، 14 ] .
وقد قرأ بعضهم : ( هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت ) وفسرها بعضهم بالقراءة ، وفسرها بعضهم بمعنى تتبع ما قدمته من خير وشر ، وفسرها بعضهم بحديث : " تتبع كل أمة ما كانت تعبد ، فيتبع من
[ ص: 266 ] كان يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت " الحديث .
وقوله : (
وردوا إلى الله مولاهم الحق ) أي : ورجعت الأمور كلها إلى الله الحكم العدل ، ففصلها ، وأدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار .
(
وضل عنهم ) أي : ذهب عن المشركين (
ما كانوا يفترون ) أي : ما كانوا يعبدون من دون الله افتراء عليه .