(
ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( 93 ) )
يخبر تعالى عما أنعم به على بني إسرائيل من النعم الدينية والدنيوية ف (
مبوأ صدق ) قيل : هو بلاد
مصر والشام ، مما يلي
بيت المقدس ونواحيه ، فإن الله تعالى لما أهلك
فرعون وجنوده استقرت يد الدولة الموسوية على بلاد
مصر بكمالها ، كما قال الله تعالى : (
وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ) [ الأعراف : 137 ] وقال في الآية الأخرى : (
فأخرجناهم من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم كذلك وأورثناها بني إسرائيل ) [ الشعراء : 57 - 59 ] ولكن
[ ص: 295 ] استمروا مع
موسى ، عليه السلام ، طالبين إلى بلاد
بيت المقدس [ وهي بلاد الخليل عليه السلام فاستمر
موسى بمن معه طالبا
بيت المقدس ] وكان فيه قوم من العمالقة ، [ فنكل بنو إسرائيل عن قتال العمالقة ] فشردهم الله تعالى في التيه أربعين سنة ، ومات فيه
هارون ، ثم ،
موسى ، عليهما السلام ، وخرجوا بعدهما مع
يوشع بن نون ، ففتح الله عليهم
بيت المقدس ، واستقرت أيديهم عليها إلى أن أخذها منهم
بختنصر حينا من الدهر ، ثم عادت إليهم ، ثم أخذها ملوك
اليونان ، وكانت تحت أحكامهم مدة طويلة ، وبعث الله
عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، في تلك المدة ، فاستعانت
اليهود - قبحهم الله - على معاداة
عيسى ، عليه السلام ، بملوك
اليونان ، وكانت تحت أحكامهم ، ووشوا عندهم ، وأوحوا إليهم أن هذا يفسد عليكم الرعايا فبعثوا من يقبض عليه ، فرفعه الله إليه ، وشبه لهم بعض الحواريين بمشيئة الله وقدره فأخذوه فصلبوه ، واعتقدوا أنه هو ، (
وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما ) [ النساء : 157 ، 158 ] ثم بعد
المسيح ، عليه السلام بنحو [ من ] ثلاثمائة سنة ، دخل
قسطنطين أحد ملوك
اليونان - في دين النصرانية ، وكان فيلسوفا قبل ذلك . فدخل في دين النصارى قيل : تقية ، وقيل : حيلة ليفسده ، فوضعت له الأساقفة منهم قوانين وشريعة وبدعا أحدثوها ، فبنى لهم الكنائس والبيع الكبار والصغار ، والصوامع والهياكل ، والمعابد ، والقلايات . وانتشر دين النصرانية في ذلك الزمان ، واشتهر على ما فيه من تبديل وتغيير وتحريف ، ووضع وكذب ، ومخالفة لدين
المسيح . ولم يبق على دين
المسيح على الحقيقة منهم إلا القليل من الرهبان ، فاتخذوا لهم الصوامع في البراري والمهامة والقفار ، واستحوذت يد النصارى على مملكة
الشام والجزيرة وبلاد
الروم ، وبنى هذا الملك المذكور
مدينة قسطنطينية ،
والقمامة ، وبيت لحم ، وكنائس [ بلاد ]
بيت المقدس ، ومدن
حوران كبصرى وغيرها من البلدان بناءات هائلة محكمة ، وعبدوا الصليب من حينئذ ، وصلوا إلى الشرق ، وصوروا الكنائس ، وأحلوا لحم الخنزير ، وغير ذلك مما أحدثوه من الفروع في دينهم والأصول ، ووضعوا له الأمانة الحقيرة ، التي يسمونها الكبيرة ، وصنفوا له القوانين ، وبسط هذا يطول .
والغرض أن يدهم لم تزل على هذه البلاد إلى أن انتزعها منهم الصحابة ، رضي الله عنهم ، وكان فتح
بيت المقدس على يدي أمير المؤمنين
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، ولله الحمد والمنة .
وقوله : (
ورزقناهم من الطيبات ) أي : الحلال ، من الرزق الطيب النافع المستطاب طبعا وشرعا .
وقوله : (
فما اختلفوا حتى جاءهم العلم ) أي : ما اختلفوا في شيء من المسائل إلا من بعد ما جاءهم العلم ، أي : ولم يكن لهم أن يختلفوا ، وقد بين الله لهم وأزال عنهم اللبس . وقد ورد في
[ ص: 296 ] الحديث :
أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة ، وأن
النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=825491وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، منها واحدة في الجنة ، وثنتان وسبعون في النار . قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال : " ما أنا عليه وأصحابي " .
رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في مستدركه بهذا اللفظ ، وهو في السنن والمسانيد ولهذا قال الله تعالى : (
إن ربك يقضي بينهم ) أي : يفصل بينهم (
يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون )