(
فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ( 109 )
ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب ( 110 )
وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير ( 111 ) )
يقول تعالى : (
فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ) المشركون ، إنه باطل وجهل وضلال ، فإنهم إنما يعبدون ما يعبد آباؤهم من قبل ، أي : ليس لهم مستند فيما هم فيه إلا
اتباع الآباء في الجهالات ، وسيجزيهم الله على ذلك أتم الجزاء فيعذب كافرهم عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين ، وإن كان لهم حسنات فقد وفاهم الله إياها في الدنيا قبل الآخرة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
جابر الجعفي ، عن
مجاهد ، عن
ابن عباس : (
وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ) قال : ما وعدوا فيه من خير أو شر .
وقال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لموفوهم من العذاب نصيبهم غير منقوص . ثم ذكر تعالى أنه آتى
موسى الكتاب ، فاختلف الناس فيه ، فمن مؤمن به ، ومن كافر به ، فلك بمن سلف من الأنبياء قبلك يا
محمد أسوة ، فلا يغيظنك تكذيبهم لك ، ولا يهيدنك ذلك .
(
ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ) قال
ابن جرير : لولا ما تقدم من تأجيله العذاب إلى أجل معلوم ، لقضى الله بينهم .
ويحتمل أن يكون المراد بالكلمة ، أنه لا يعذب أحدا إلا بعدم قيام الحجة عليه ، وإرسال الرسول إليه ، كما قال : (
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [ الإسراء : 15 ] ; فإنه قد قال في الآية الأخرى : (
ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى فاصبر على ما يقولون ) [ طه : 129 ، 130 ] .
[ ص: 354 ]
ثم أخبر أن الكافرين في شك - مما جاءهم به الرسول - قوي ، فقال (
وإنهم لفي شك منه مريب ) .
ثم أخبرنا تعالى أنه سيجمع الأولين والآخرين من الأمم ، ويجزيهم بأعمالهم ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، فقال : (
وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير ) أي : عليم بأعمالهم جميعها ، جليلها وحقيرها ، صغيرها وكبيرها .
وفي هذه الآية قراءات كثيرة ، ويرجع معناها إلى هذا الذي ذكرناه ، كما في قوله تعالى : (
وإن كل لما جميع لدينا محضرون ) [ يس : 32 ] .