(
ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ( 118 )
إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ( 119 ) )
يخبر تعالى أنه قادر على جعل الناس كلهم أمة واحدة ، من إيمان أو كفران كما قال تعالى : (
ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ) [ يونس : 99 ] .
وقوله : (
ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ) أي : ولا يزال الخلف بين الناس في أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم .
قال
عكرمة : ( مختلفين ) في الهدى . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : ( مختلفين ) في الرزق ، يسخر بعضهم بعضا ، والمشهور الصحيح الأول .
وقوله : (
إلا من رحم ربك ) أي : إلا المرحومين من أتباع الرسل ، الذين تمسكوا بما أمروا به من الدين . أخبرتهم به رسل الله إليهم ، ولم يزل ذلك دأبهم ، حتى كان النبي - صلى الله عليه وسلم - الأمي خاتم الرسل والأنبياء ، فاتبعوه وصدقوه ، ونصروه ووازروه ، ففازوا بسعادة الدنيا والآخرة; لأنهم
الفرقة الناجية ، كما جاء في الحديث المروي في المسانيد والسنن ، من طرق يشد بعضها بعضا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825505 " إن اليهود افترقت على [ ص: 362 ] إحدى وسبعين فرقة ، وإن النصارى افترقوا على ثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا فرقة واحدة " . قالوا : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : " ما أنا عليه وأصحابي " .
رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة
وقال
عطاء : (
ولا يزالون مختلفين ) يعني :
اليهود والنصارى والمجوس (
إلا من رحم ربك ) يعني : الحنيفية .
وقال
قتادة :
أهل رحمة الله أهل الجماعة ، وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم ، وأهل معصيته أهل فرقة ، وإن اجتمعت ديارهم وأبدانهم .
وقوله : ( ولذلك خلقهم ) قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري في رواية عنه : وللاختلاف خلقهم .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : خلقهم فريقين ، كقوله : (
فمنهم شقي وسعيد ) [ هود : 105 ] .
وقيل : للرحمة خلقهم . قال
ابن وهب : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=14429مسلم بن خالد ، عن
ابن أبي نجيح ، عن طاوس; أن رجلين اختصما إليه فأكثرا فقال طاوس : اختلفتما فأكثرتما ! فقال أحد الرجلين : لذلك خلقنا . فقال طاوس : كذبت . فقال : أليس الله يقول : (
ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) قال : لم يخلقهم ليختلفوا ، ولكن خلقهم للجماعة والرحمة . كما قال
الحكم بن أبان ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب . وكذا قال
مجاهد والضحاك وقتادة . ويرجع معنى هذا القول إلى قوله تعالى : (
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) [ الذاريات : 56 ] .
وقيل : بل المراد : وللرحمة والاختلاف خلقهم ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري في رواية عنه في قوله : (
ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) قال :
الناس مختلفون على أديان شتى ، (
إلا من رحم ربك ) فمن رحم ربك غير مختلف . قيل له : فلذلك خلقهم ؟ [ قال ] خلق هؤلاء لجنته ، وخلق هؤلاء لناره ، وخلق هؤلاء لرحمته ، وخلق هؤلاء لعذابه .
وكذا قال
عطاء بن أبي رباح ، nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش .
وقال
ابن وهب : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا عن قوله تعالى : (
ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) قال : فريق في الجنة وفريق في السعير .
[ ص: 363 ]
وقد اختار هذا القول
ابن جرير ، وأبو عبيدة والفراء .
وعن
مالك فيما رويناه عنه في التفسير : ( ولذلك خلقهم ) قال : للرحمة ، وقال قوم : للاختلاف .
وقوله : (
وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) يخبر تعالى أنه قد سبق في قضائه وقدره ، لعلمه التام وحكمته النافذة ، أن ممن خلقه من يستحق الجنة ، ومنهم من يستحق النار ، وأنه لا بد أن يملأ جهنم من هذين الثقلين الجن والإنس ، وله الحجة البالغة والحكمة التامة . وفي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821822قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " اختصمت الجنة والنار ، فقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفة الناس وسقطهم ؟ وقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين . فقال الله عز وجل للجنة ، أنت رحمتي أرحم بك من أشاء . وقال للنار : أنت عذابي ، أنتقم بك ممن أشاء ، ولكل واحدة منكما ملؤها . فأما الجنة فلا يزال فيها فضل ، حتى ينشئ الله لها خلقا يسكن فضل الجنة ، وأما النار فلا تزال تقول : هل من مزيد ؟ حتى يضع عليه رب العزة قدمه ، فتقول : قط قط ، وعزتك " .