(
وجاءوا أباهم عشاء يبكون ( 16 )
قالوا ياأبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ( 17 )
وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ( 18 ) )
[ ص: 375 ]
يقول تعالى مخبرا عن الذي اعتمده إخوة
يوسف بعد ما ألقوه في غيابة الجب : أنهم رجعوا إلى أبيهم في ظلمة الليل يبكون ، ويظهرون الأسف والجزع على يوسف ويتغممون لأبيهم ، وقالوا معتذرين عما وقع فيما زعموا : (
إنا ذهبنا نستبق ) أي : نترامى ، (
وتركنا يوسف عند متاعنا ) أي : ثيابنا وأمتعتنا ، (
فأكله الذئب ) وهو الذي كان [ قد ] جزع منه ، وحذر عليه .
وقولهم : (
وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ) تلطف عظيم في تقرير ما يحاولونه ، يقولون : ونحن نعلم أنك لا تصدقنا - والحالة هذه - لو كنا عندك صادقين ، فكيف وأنت تتهمنا في ذلك ، لأنك خشيت أن يأكله الذئب ، فأكله الذئب ، فأنت معذور في تكذيبك لنا; لغرابة ما وقع وعجيب ما اتفق لنا في أمرنا هذا .
(
وجاءوا على قميصه بدم كذب ) أي : مكذوب مفترى . وهذا من الأفعال التي يؤكدون بها ما تمالئوا عليه من المكيدة ، وهو أنهم عمدوا إلى سخلة - فيما ذكره
مجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ، وغير واحد - فذبحوها ، ولطخوا ثوب
يوسف بدمها ، موهمين أن هذا قميصه الذي أكله فيه الذئب ، وقد أصابه من دمه ، ولكنهم نسوا أن يخرقوه ، فلهذا لم يرج هذا الصنيع على نبي الله
يعقوب ، بل قال لهم معرضا عن كلامهم إلى ما وقع في نفسه من تمالئهم عليه : (
بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل ) أي : فسأصبر صبرا جميلا على هذا الأمر الذي قد اتفقتم عليه ، حتى يفرجه الله بعونه ولطفه ، (
والله المستعان على ما تصفون ) أي : على ما تذكرون من الكذب والمحال .
وقال
الثوري ، عن
سماك ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : (
وجاءوا على قميصه بدم كذب ) قال : لو أكله السبع لخرق القميص . وكذا قال
الشعبي ، والحسن ،
وقتادة ، وغير واحد .
وقال
مجاهد : الصبر الجميل : الذي لا جزع فيه .
وروى
هشيم ، عن
عبد الرحمن بن يحيى ، عن
حبان بن أبي جبلة قال :
سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله : ( فصبر جميل ) فقال : " صبر لا شكوى فيه " وهذا مرسل .
وقال
عبد الرزاق : قال
الثوري عن بعض أصحابه أنه قال : ثلاث من الصبر : ألا تحدث بوجعك ، ولا بمصيبتك ، ولا تزكي نفسك .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري هاهنا حديث
عائشة ، رضي الله عنها ، في الإفك حتى ذكر قولها : والله لا أجد لي ولكم مثلا إلا أبا
يوسف ، (
فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) .