(
قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم ( 83 )
وتولى عنهم وقال ياأسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ( 84 )
قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين ( 85 )
قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ( 86 ) )
قال لهم كما قال لهم حين جاءوا على قميص
يوسف بدم كذب : (
بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل )
قال
محمد بن إسحاق : لما جاءوا
يعقوب وأخبروه بما يجري اتهمهم ، وظن أنها كفعلتهم
بيوسف (
قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل ) .
وقال بعض الناس : لما كان صنيعهم هذا مرتبا على فعلهم الأول ، سحب حكم الأول عليه ، وصح قوله : (
بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل )
ثم ترجى من الله أن يرد عليه أولاده الثلاثة :
يوسف وأخاه
بنيامين ، وروبيل الذي أقام بديار
[ ص: 405 ] مصر ينتظر أمر الله فيه ، إما أن يرضى عنه أبوه فيأمره بالرجوع إليه ، وإما أن يأخذ أخاه خفية; ولهذا قال : (
عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم ) أي : العليم بحالي ، ( الحكيم ) في أفعاله وقضائه وقدره .
(
وتولى عنهم وقال ياأسفى على يوسف ) أي : أعرض عن بنيه وقال متذكرا حزن
يوسف القديم الأول : (
ياأسفى على يوسف ) جدد له حزن الابنين الحزن الدفين .
قال
عبد الرزاق ، أخبرنا
الثوري ، عن
سفيان العصفري ، عن
سعيد بن جبير أنه قال : لم يعط أحد غير هذه الأمة الاسترجاع ، ألا تسمعون إلى قول
يعقوب ، عليه السلام : (
ياأسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) أي : ساكت لا يشكو أمره إلى مخلوق قاله
قتادة وغيره .
وقال
الضحاك : (
فهو كظيم ) كميد حزين .
قال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
حماد بن سلمة [ حدثنا
أبو موسى ] عن
علي بن زيد عن
الحسن ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825519 " إن داود عليه السلام ، قال : يا رب ، إن بني إسرائيل يسألونك بإبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فاجعلني لهم رابعا . فأوحى الله تعالى إليه أن يا داود ، إن إبراهيم ألقي في النار بسببي فصبر ، وتلك بلية لم تنلك ، وإن إسحاق بذل مهجة دمه في سببي فصبر ، وتلك بلية لم تنلك ، وإن يعقوب أخذت منه حبيبه حتى ابيضت عيناه من الحزن ، فصبر ، وتلك بلية لم تنلك " .
وهذا مرسل ، وفيه نكارة ; فإن الصحيح أن
إسماعيل هو الذبيح ، ولكن
nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد بن جدعان له مناكير وغرائب كثيرة ، والله أعلم .
وأقرب ما في هذا أن يكون قد حكاه
nindex.php?page=showalam&ids=13669الأحنف بن قيس ، رحمه الله ، عن بني إسرائيل
ككعب ووهب ونحوهما ، والله أعلم ، فإن الإسرائيليين ينقلون أن
يعقوب كتب إلى
يوسف لما احتبس أخاه بسبب السرقة يتلطف له في رده ، ويذكر له أنهم أهل بيت مصابون بالبلاء ،
فإبراهيم ابتلي بالنار ،
وإسحاق بالذبح ،
ويعقوب بفراق
يوسف ، في حديث طويل لا يصح ، والله أعلم ، فعند ذلك رق له بنوه ، وقالوا له على سبيل الرفق به والشفقة عليه : (
قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف ) أي : لا تفارق تذكر
يوسف ، (
حتى تكون حرضا ) أي : ضعيف الجسم ، ضعيف القوة ، (
أو تكون من الهالكين ) يقولون : وإن استمر بك هذا الحال خشينا عليك الهلاك والتلف .
(
قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ) أي : أجابهم عما قالوا بقوله : (
إنما أشكو بثي وحزني )
[ ص: 406 ] أي : همي وما أنا فيه ) إلى الله ) وحده (
وأعلم من الله ما لا تعلمون ) أي : أرجو منه كل خير .
وعن
ابن عباس : (
وأعلم من الله ما لا تعلمون ) [ يعني رؤيا
يوسف أنها صدق وأن الله لا بد أن يظهرها وينجزها . وقال
العوفي عن
ابن عباس : (
وأعلم من الله ما لا تعلمون ) أعلم أن رؤيا
يوسف صادقة ، وأني سوف أسجد له .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
الحسن بن عرفة ، حدثنا
يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، عن
حفص بن عمر بن أبي الزبير ، عن
أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825520 " كان ليعقوب النبي - عليه السلام - أخ مؤاخ له ، فقال له ذات يوم : ما الذي أذهب بصرك وقوس ظهرك ؟ قال : الذي أذهب بصري البكاء على يوسف ، وأما الذي قوس ظهري فالحزن على بنيامين ، فأتاه جبريل - عليه السلام - فقال : يا يعقوب ، إن الله يقرئك السلام ويقول لك : أما تستحيي أن تشكوني إلى غيري ؟ فقال يعقوب : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله . فقال جبريل ، عليه السلام : الله أعلم بما تشكو " .
وهذا حديث غريب ، فيه نكارة .