(
واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ( 45 )
الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون ( 46 ) )
يقول تعالى آمرا عبيده ، فيما يؤملون من خير الدنيا والآخرة ، بالاستعانة بالصبر والصلاة ، كما قال
مقاتل بن حيان في تفسير هذه الآية : استعينوا على
طلب الآخرة بالصبر على الفرائض ، والصلاة .
فأما الصبر فقيل : إنه الصيام ، نص عليه
مجاهد .
[ قال
القرطبي وغيره : ولهذا سمي
رمضان شهر الصبر كما نطق به الحديث ] .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن
أبي إسحاق ، عن
جري بن كليب ، عن رجل من
بني سليم ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823401الصوم نصف الصبر .
وقيل : المراد بالصبر الكف عن المعاصي ؛ ولهذا قرنه بأداء العبادات وأعلاها : فعل الصلاة .
قال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
عبد الله بن حمزة بن إسماعيل ، حدثنا
إسحاق بن سليمان ، عن
أبي سنان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : الصبر صبران : صبر عند المصيبة حسن ، وأحسن منه الصبر عن محارم الله .
[ ص: 252 ]
[ قال ] وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري نحو قول
عمر .
وقال
ابن المبارك عن
ابن لهيعة عن
مالك بن دينار ، عن
سعيد بن جبير ، قال : الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب فيه ، واحتسابه عند الله ورجاء ثوابه ، وقد يجزع الرجل وهو يتجلد ، لا يرى منه إلا الصبر .
وقال
أبو العالية في قوله : (
واستعينوا بالصبر والصلاة ) على مرضاة الله ، واعلموا أنها من طاعة الله .
وأما قوله : ( والصلاة ) فإن
الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر ، كما قال تعالى : (
اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ) الآية [ العنكبوت : 45 ] .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
خلف بن الوليد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17313يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16585عكرمة بن عمار ، عن
محمد بن عبد الله الدؤلي ، قال : قال
عبد العزيز أخو حذيفة ، قال
حذيفة ، يعني ابن اليمان :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820386كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى . ورواه
أبو داود [ عن
محمد بن عيسى عن
يحيى بن زكريا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16585عكرمة بن عمار كما سيأتي ] .
وقد رواه
ابن جرير ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16585عكرمة بن عمار ، عن
محمد بن عبيد بن أبي قدامة ، عن
عبد العزيز بن اليمان ، عن
حذيفة ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824324كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .
[ ورواه بعضهم عن
عبد العزيز ابن أخي حذيفة ؛ ويقال :
أخي حذيفة مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ؛ وقال
محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16066سهل بن عثمان أبو مسعود العسكري ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17313يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16585عكرمة بن عمار : قال
محمد بن عبد الله الدؤلي : قال
عبد العزيز : قال
حذيفة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824628رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وهو مشتمل في شملة يصلي ، وكان إذا حزبه أمر صلى . وحدثنا
عبيد الله بن معاذ ، حدثنا أبي ، حدثنا
شعبة عن
أبي إسحاق سمع
حارثة بن مضرب سمع
عليا يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823402لقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إلا نائم غير رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو حتى أصبح ] .
[ ص: 253 ]
قال
ابن جرير : وروي عنه ، عليه الصلاة والسلام ، أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=824325مر nindex.php?page=showalam&ids=3بأبي هريرة ، وهو منبطح على بطنه ، فقال له : اشكنب درد [ قال : نعم ] قال : قم فصل فإن الصلاة شفاء [ ومعناه : أيوجعك بطنك ؟ قال : نعم ] . قال
ابن جرير : وقد حدثنا
محمد بن العلاء ويعقوب بن إبراهيم ، قالا حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، حدثنا
عيينة بن عبد الرحمن ، عن أبيه : أن ابن عباس نعي إليه أخوه
قثم وهو في سفر ، فاسترجع ، ثم تنحى عن الطريق ، فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول : (
واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16061سنيد ، عن
حجاج ، عن
ابن جرير : (
واستعينوا بالصبر والصلاة ) قال : إنهما معونتان على رحمة الله .
والضمير في قوله : ( وإنها ) عائد إلى الصلاة ، نص عليه
مجاهد ، واختاره
ابن جرير .
ويحتمل أن يكون عائدا على ما يدل عليه الكلام ، وهو الوصية بذلك ، كقوله تعالى في قصة قارون : (
وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون ) [ القصص : 80 ] وقال تعالى : (
ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ) [ فصلت : 34 ، 35 ] أي : وما يلقى هذه الوصية إلا الذين صبروا ( وما يلقاها ) أي : يؤتاها ويلهمها (
إلا ذو حظ عظيم )
وعلى كل تقدير ، فقوله تعالى : (
وإنها لكبيرة ) أي : مشقة ثقيلة إلا على الخاشعين . قال
ابن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : يعني المصدقين بما أنزل الله . وقال
مجاهد : المؤمنين حقا . وقال
أبو العالية : إلا على الخاشعين الخائفين ، وقال
مقاتل بن حيان : إلا على الخاشعين يعني به المتواضعين . وقال
الضحاك : (
وإنها لكبيرة ) قال : إنها لثقيلة إلا على الخاضعين لطاعته ، الخائفين سطواته ، المصدقين بوعده ووعيده .
وهذا يشبه ما جاء في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823403لقد سألت عن عظيم ، وإنه ليسير على من يسره الله عليه .
وقال
ابن جرير : معنى الآية : واستعينوا أيها الأحبار من أهل الكتاب ، بحبس أنفسكم على طاعة الله وبإقامة الصلاة المانعة من الفحشاء والمنكر ، المقربة من رضا الله ، العظيمة إقامتها إلا على المتواضعين لله المستكينين لطاعته المتذللين من مخافته .
[ ص: 254 ]
هكذا قال ، والظاهر أن الآية وإن كانت خطابا في سياق إنذار
بني إسرائيل ، فإنهم لم يقصدوا بها على سبيل التخصيص ، وإنما هي عامة لهم ولغيرهم . والله أعلم .
وقوله تعالى : (
الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون ) هذا من تمام الكلام الذي قبله ، أي : وإن الصلاة أو الوصاة لثقيلة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ، أي : [ يعلمون أنهم ] محشورون إليه يوم القيامة ، معروضون عليه ، وأنهم إليه راجعون ، أي : أمورهم راجعة إلى مشيئته ، يحكم فيها ما يشاء بعدله ، فلهذا لما أيقنوا بالمعاد والجزاء سهل عليهم فعل الطاعات وترك المنكرات .
فأما قوله : (
يظنون أنهم ملاقو ربهم ) قال
ابن جرير ، رحمه الله : العرب قد تسمي اليقين ظنا ، والشك ظنا ، نظير تسميتهم الظلمة سدفة ، والضياء سدفة ، والمغيث صارخا ، والمستغيث صارخا ، وما أشبه ذلك من الأسماء التي يسمى بها الشيء وضده ، كما قال
دريد بن الصمة :
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد
يعني بذلك : تيقنوا بألفي مدجج يأتيكم ، وقال
عميرة بن طارق :
بأن يعتزوا قومي وأقعد فيكم وأجعل مني الظن غيبا مرجما
يعني : وأجعل مني اليقين غيبا مرجما ، قال : والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين أكثر من أن تحصر ، وفيما ذكرنا لمن وفق لفهمه كفاية ، ومنه قول الله تعالى : (
ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ) [ الكهف : 53 ] .
ثم قال
ابن جرير : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، حدثنا
أبو عاصم ، حدثنا
سفيان ، عن
جابر ، عن
مجاهد ، قال : كل ظن في القرآن يقين ، أي : ظننت وظنوا .
وحدثني
المثنى ، حدثنا
إسحاق ، حدثنا
أبو داود الحفري ، عن
سفيان عن ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، قال : كل ظن في القرآن فهو علم . وهذا سند صحيح .
وقال
أبو جعفر الرازي ، عن
الربيع بن أنس ، عن
أبي العالية ، في قوله تعالى : (
الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) قال : الظن هاهنا يقين .
قال
ابن أبي حاتم : وروي عن
مجاهد ،
nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ،
وقتادة نحو قول
أبي العالية .
[ ص: 255 ]
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16061سنيد ، عن
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : (
الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) علموا أنهم ملاقو ربهم ، كقوله : (
إني ظننت أني ملاق حسابيه ) [ الحاقة : 20 ] يقول : علمت .
وكذا قال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
قلت : وفي الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823404أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : ألم أزوجك ، ألم أكرمك ، ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول : بلى . فيقول الله تعالى : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا . فيقول الله : اليوم أنساك كما نسيتني . وسيأتي مبسوطا عند قوله : (
نسوا الله فنسيهم ) [ التوبة : 67 ] إن شاء الله ، والله تعالى أعلم .