(
رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين ( 101 ) )
[ ص: 414 ]
هذا دعاء من
يوسف الصديق ، دعا به ربه عز وجل ، لما تمت النعمة عليه ، باجتماعه بأبويه وإخوته ، وما من الله به عليه من النبوة والملك ، سأل ربه عز وجل ، كما أتم نعمته عليه في الدنيا أن يستمر بها عليه في الآخرة ، وأن يتوفاه مسلما حين يتوفاه . قاله
الضحاك ، وأن يلحقه بالصالحين ، وهم إخوانه من النبيين والمرسلين ، صلوات الله وسلامه [ عليه و ] عليهم أجمعين .
وهذا الدعاء يحتمل أن
يوسف ، عليه السلام ، قاله عند احتضاره ، كما ثبت في الصحيحين عن
عائشة ، رضي الله عنها; أن
nindex.php?page=hadith&LINKID=825523رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل يرفع أصبعه عند الموت ، ويقول : " اللهم في الرفيق الأعلى ، اللهم في الرفيق الأعلى ، اللهم في الرفيق الأعلى " .
ويحتمل أنه سأل الوفاة على الإسلام واللحاق بالصالحين إذا حان أجله ، وانقضى عمره; لا أنه سأل ذلك منجزا ، كما يقول الداعي لغيره : " أماتك الله على الإسلام " . ويقول الداعي : " اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين " .
ويحتمل أنه سأل ذلك منجزا ، وكان ذلك سائغا في ملتهم ، كما قال
قتادة : قوله : (
توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) لما جمع الله شمله وأقر عينه ، وهو يومئذ مغمور في الدنيا وملكها وغضارتها ، فاشتاق إلى الصالحين قبله ، وكان
ابن عباس يقول : ما تمنى نبي قط الموت قبل
يوسف ، عليه السلام .
وكذا ذكر
ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي عن
ابن عباس : أنه أول نبي دعا بذلك . وهذا يحتمل أنه أول من سأل الوفاة على الإسلام . كما أن
نوحا أول من قال : (
رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا ) [ نوح : 28 ] ويحتمل أنه أول من سأل نجاز ذلك ، وهو ظاهر سياق
قتادة ، ولكن هذا لا يجوز في شريعتنا .
قال
الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله : حدثنا
إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16377عبد العزيز بن صهيب ، عن
أنس بن مالك قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821694 " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا بد متمنيا الموت فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " .
[ ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم ، وعندهما :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825524 " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به إما محسنا فيزداد ، وإما مسيئا فلعله يستعتب ، ولكن ليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة [ ص: 415 ] خيرا لي " ] .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
أبو المغيرة ، حدثنا
معان بن رفاعة ، حدثني
علي بن يزيد ، عن
القاسم ، عن
أبي أمامة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821695جلسنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرنا ورققنا ، فبكى nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص فأكثر البكاء ، فقال : يا ليتني مت! فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : " يا سعد أعندي تتمنى الموت ؟ " فردد ذلك [ ثلاث ] مرات ثم قال : " يا سعد ، إن كنت خلقت للجنة ، فما طال عمرك ، أو حسن من عملك ، فهو خير لك "
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
حسن ، حدثنا
ابن لهيعة ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12203أبو يونس - هو سليم بن جبير - عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821696 " لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدعون به من قبل أن يأتيه ، إلا أن يكون قد وثق بعمله ، فإنه إذا مات أحدكم انقطع عنه عمله ، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا " تفرد به
أحمد .
وهذا فيما إذا كان الضر خاصا به ، أما إذا كان فتنة في الدين فيجوز سؤال الموت ، كما قال الله تعالى إخبارا عن السحرة لما أرادهم
فرعون عن دينهم وتهددهم بالقتل قالوا : (
ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين ) [ الأعراف : 126 ] وقالت مريم لما أجاءها المخاض ، وهو الطلق ، إلى جذع النخلة (
ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ) [ مريم : 23 ] لما تعلم من أن الناس يقذفونها بالفاحشة; لأنها لم تكن ذات زوج وقد حملت وولدت ، فيقول القائل أنى لها هذا ؟ ولهذا واجهوها أولا بأن قالوا : (
يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ) [ مريم : 27 ، 28 ] فجعل الله لها من ذلك الحال فرجا ومخرجا ، وأنطق الصبي في المهد بأنه عبد الله ورسوله ، وكان آية عظيمة ومعجزة باهرة ، صلوات الله وسلامه عليه ، وفي حديث
معاذ ، الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، في قصة المنام والدعاء الذي فيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821697 " وإذا أردت بقوم فتنة ، فتوفني إليك غير مفتون " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
أبو سلمة ، أنا
nindex.php?page=showalam&ids=16379عبد العزيز بن محمد ، عن
عمرو ، عن
عاصم ، عن
عمر بن قتادة ، عن
محمود بن لبيد ; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821698 " اثنتان يكرههما ابن آدم الموت ، والموت خير [ ص: 416 ] للمؤمن [ من الفتنة ] . ويكره قلة المال ، وقلة المال أقل للحساب " .
فعند حلول الفتن في الدين يجوز
سؤال الموت ; ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في آخر إمارته لما رأى أن الأمور لا تجتمع له ، ولا يزداد الأمر إلا شدة قال : اللهم ، خذني إليك ، فقد سئمتهم وسئموني .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، رحمه الله ، لما وقعت له تلك المحن وجرى له ما جرى مع أمير
خراسان : اللهم توفني إليك .
وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825525 " إن الرجل ليمر بالقبر - أي في زمان الدجال - فيقول : يا ليتني مكانك " لما يرى من الفتن والزلازل والبلابل والأمور الهائلة التي هي فتنة لكل مفتون .
قال
أبو جعفر بن جرير : وذكر أن بني
يعقوب الذين فعلوا
بيوسف ما فعلوا ، استغفر لهم أبوهم ، فتاب الله عليهم وعفا عنهم ، وغفر لهم ذنوبهم .
[ ذكر من قال ذلك ] :
حدثنا
القاسم ، حدثنا
الحسن ، حدثني
حجاج ، عن
صالح المري ، عن
يزيد الرقاشي ، عن
أنس بن مالك قال : إن الله تعالى لما جمع
ليعقوب شمله ، وأقر عينه خلا ولده نجيا ، فقال بعضهم لبعض : ألستم قد علمتم ما صنعتم ، وما لقي منكم الشيخ ، وما لقي منكم
يوسف ؟ قالوا : بلى . قال : فيغركم عفوهما عنكم ، فكيف لكم بربكم ؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه ،
ويوسف إلى جنب أبيه قاعدا ، قالوا : يا أبانا ، إنا أتيناك في أمر ، لم نأتك في مثله قط ، ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله . حتى حركوه ، والأنبياء ، عليهم السلام ، أرحم البرية ، فقال : ما لكم يا بني ؟ قالوا : ألست قد علمت ما كان منا إليك ، وما كان منا إلى أخينا
يوسف ؟ قال : بلى . قالوا : أو لستما قد عفوتما ؟ قالا : بلى . قالوا : فإن عفوكما لا يغني عنا شيئا ، إن كان الله لم يعف عنا . قال : فما تريدون يا بني ؟ قالوا : نريد أن تدعو الله لنا ، فإذا جاءك الوحي من الله بأنه قد عفا عما صنعنا قرت أعيننا ، واطمأنت قلوبنا ، وإلا فلا قرة عين في الدنيا أبدا لنا . قال : فقام الشيخ فاستقبل القبلة ، وقام
يوسف خلف أبيه ، وقاموا خلفهما أذلة خاشعين . قال : فدعا وأمن
يوسف ، فلم يجب فيهم عشرين سنة - قال
صالح المري يخيفهم - قال : حتى إذا كان رأس العشرين نزل
جبريل ، عليه السلام ، على
يعقوب فقال : إن الله بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك ، وأنه قد عفا عما
[ ص: 417 ] صنعوا ، وأنه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوة .
هذا الأثر موقوف عن
أنس ، ويزيد الرقاشي nindex.php?page=showalam&ids=16205وصالح المري ضعيفان جدا .
وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أن
يعقوب ، عليه السلام ، لما حضره الموت ، أوصى إلى
يوسف بأن يدفن عند
إبراهيم وإسحاق ، فلما مات صبره وأرسله إلى
الشام ، فدفن عندهما ، عليهم السلام .