(
هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال ( 12 )
ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال ( 13 ) )
يخبر تعالى أنه هو الذي يسخر البرق ، وهو ما يرى من النور اللامع ساطعا من خلل السحاب .
وروى
ابن جرير أن
ابن عباس كتب إلى
أبي الجلد يسأله عن البرق ، فقال : البرق : الماء .
وقوله : (
خوفا وطمعا ) قال
قتادة : خوفا للمسافر ، يخاف أذاه ومشقته ، وطمعا للمقيم يرجو بركته ومنفعته ، ويطمع في رزق الله .
(
وينشئ السحاب الثقال ) أي : ويخلقها منشأة جديدة ، وهي لكثرة مائها ثقيلة قريبة إلى الأرض .
قال
مجاهد : والسحاب الثقال : الذي فيه الماء .
[ ص: 441 ]
(
ويسبح الرعد بحمده ) كما قال تعالى : (
وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) [ الإسراء : 44 ] .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
يزيد ، حدثنا
إبراهيم بن سعد ، أخبرني أبي قال : كنت جالسا إلى جنب
حميد بن عبد الرحمن في المسجد ، فمر شيخ من
بني غفار ، فأرسل إليه
حميد ، فلما أقبل قال : يا ابن أخي ، وسع له فيما بيني وبينك ، فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم . فجاء حتى جلس فيما بيني وبينه ، فقال له
حميد : ما الحديث الذي حدثتني عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ؟ فقال الشيخ : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821719 " إن الله ينشئ السحاب ، فينطق أحسن النطق ، ويضحك أحسن الضحك " .
والمراد - والله أعلم - أن نطقها الرعد ، وضحكها البرق .
وقال
موسى بن عبيدة ، عن
سعد بن إبراهيم قال : يبعث الله الغيث ، فلا أحسن منه مضحكا ، ولا آنس منه منطقا ، فضحكه البرق ، ومنطقه الرعد .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17244هشام بن عبيد الله الرازي ، عن
محمد بن مسلم قال : بلغنا أن البرق ملك له أربعة وجوه : وجه إنسان ، ووجه ثور ، ووجه نسر ، ووجه أسد ، فإذا مصع بذنبه فذاك البرق .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
عفان ، حدثنا
عبد الواحد بن زياد ، حدثنا
الحجاج ، حدثني
أبو مطر ، عن
سالم ، عن أبيه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821720كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع الرعد والصواعق قال : " اللهم ، لا تقتلنا بغضبك ، ولا تهلكنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك " .
ورواه
الترمذي ، nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري في كتاب الأدب ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي في اليوم والليلة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم في مستدركه ، من حديث
الحجاج بن أرطاة ، عن
أبي مطر ، ولم يسم به .
وقال
[ الإمام ] أبو جعفر بن جرير : حدثنا
أحمد بن إسحاق ، حدثنا
أبو أحمد ، حدثنا
إسرائيل ، عن أبيه عن رجل ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=825536عن أبي هريرة ، رفع الحديث قال : إنه كان إذا سمع الرعد قال : " سبحان من يسبح الرعد بحمده " .
وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال : سبحان من سبحت له .
[ ص: 442 ]
وكذا روي عن
ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=13705والأسود بن يزيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس : أنهم كانوا يقولون كذلك .
وقال الأوزاعي : كان ابن أبي زكريا يقول : من قال حين يسمع الرعد : سبحان الله وبحمده ، لم تصبه صاعقة .
وعن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال : سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ، ويقول : إن هذا لوعيد شديد لأهل الأرض . رواه
مالك في الموطأ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري في كتاب الأدب .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14724سليمان بن داود الطيالسي ، حدثنا
صدقة بن موسى ، حدثنا
محمد بن واسع ، عن
شتير بن نهار ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821721 " قال ربكم عز وجل : لو أن عبيدي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل ، وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ، ولما أسمعتهم صوت الرعد " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني : حدثنا
زكريا بن يحيى الساجي ، حدثنا
أبو كامل الجحدري ، حدثنا
يحيى بن كثير أبو النضر ، حدثنا
عبد الكريم ، حدثنا
عطاء ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=825537عن ابن عباس قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إذا سمعتم الرعد فاذكروا الله ، فإنه لا يصيب ذاكرا " .
وقوله : (
ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) أي : يرسلها نقمة ينتقم بها ممن يشاء ، ولهذا تكثر في آخر الزمان ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
حدثنا
محمد بن مصعب ، حدثنا
عمارة عن
nindex.php?page=showalam&ids=12179أبي نضرة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821722 " تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة ، حتى يأتي الرجل القوم فيقول : من صعق تلكم الغداة ؟ فيقولون صعق فلان وفلان وفلان " .
وقد روي في سبب نزولها ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12201الحافظ أبو يعلى الموصلي :
حدثنا
إسحاق ، حدثنا
علي بن أبي سارة الشيباني ، حدثنا
ثابت ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=825538عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا مرة إلى رجل من فراعنة العرب فقال : " اذهب فادعه لي " . قال : فذهب إليه فقال : يدعوك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له : من رسول الله ؟ وما الله ؟ أمن ذهب هو ؟ أم من فضة هو ؟ أم من نحاس هو ؟ قال : فرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال : يا رسول الله ، قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك ، [ ص: 443 ] قال لي كذا وكذا . فقال : " ارجع إليه الثانية " . أراه ، فذهب فقال له مثلها . فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك . قال : " ارجع إليه فادعه " . فرجع إليه الثالثة . قال : فأعاد عليه ذلك الكلام . فبينا هو يكلمه ، إذ بعث الله ، عز وجل ، سحابة حيال رأسه ، فرعدت ، فوقعت منها صاعقة ، فذهب بقحف رأسه فأنزل الله : ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال )
ورواه
ابن جرير ، من حديث
علي بن أبي سارة ، به ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=13863الحافظ أبو بكر البزار ، عن
عبدة بن عبد الله ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون ، عن
ديلم بن غزوان ، عن
ثابت ، عن
أنس ، فذكر نحوه .
وقال : حدثنا
الحسن بن محمد ، حدثنا
عفان ، حدثنا
أبان بن يزيد ، حدثنا
أبو عمران الجوني ، عن عبد الرحمن بن صحار العبدي : أنه بلغه أن نبي الله بعثه إلى جبار يدعوه ، فقال : أرأيتم ربكم ، أذهب هو ؟ أو فضة هو ؟ ألؤلؤ هو ؟ قال : فبينا هو يجادلهم ، إذ بعث الله سحابة فرعدت فأرسل عليه صاعقة فذهبت بقحف رأسه ، ونزلت هذه الآية .
وقال
أبو بكر بن عياش ، عن
ليث بن أبي سليم ،
عن مجاهد قال : جاء يهودي فقال : يا محمد ، أخبرني عن ربك ، [ من أي شيء هو ] من نحاس هو ؟ من لؤلؤ ؟ أو ياقوت ؟ قال : فجاءت صاعقة فأخذته ، وأنزل الله : ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) وقال قتادة : ذكر لنا أن رجلا أنكر القرآن ، وكذب النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل الله صاعقة فأهلكته وأنزل : (
ويرسل الصواعق ) الآية .
وذكروا في سبب نزولها قصة
nindex.php?page=hadith&LINKID=825540عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة لما قدما على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فسألاه أن يجعل لهما نصف الأمر فأبى عليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له عامر بن الطفيل ، لعنه الله : أما والله لأملأنها عليك خيلا جردا ورجالا مردا . فقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : يأبى الله عليك ذلك وأبناء قيلة . يعني : الأنصار ، ثم إنهما هما بالفتك بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وجعل أحدهما يخاطبه ، والآخر يستل سيفه ليقتله من ورائه ، فحماه الله منهما وعصمه ، فخرجا من المدينة فانطلقا في أحياء العرب ، يجمعان الناس لحربه ، عليه السلام فأرسل الله على أربد سحابة فيها صاعقة فأحرقته . وأما عامر بن الطفيل فأرسل الله عليه الطاعون ، فخرجت فيه غدة عظيمة ، فجعل يقول : يا آل عامر ، غدة كغدة البكر ، وموت في بيت سلولية ؟ حتى ماتا لعنهما الله ، وأنزل الله في مثل ذلك : [ ص: 444 ]
( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) وفي ذلك يقول
لبيد بن ربيعة ، أخو
أربد يرثيه :
أخشى على أربد الحتوف ولا أرهب نوء السماك والأسد فجعني الرعد والصواعق بال
فارس يوم الكريهة النجد
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14687الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا
مسعدة بن سعد العطار ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12366إبراهيم بن المنذر الحزامي ، حدثني
عبد العزيز بن عمران ، حدثني
عبد الرحمن وعبد الله ابنا
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، عن أبيهما ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=825541عن ابن عباس ، أن أربد بن قيس بن جزء بن جليد بن جعفر بن كلاب ، وعامر بن الطفيل بن مالك ، قدما المدينة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فانتهيا إليه وهو جالس ، فجلسا بين يديه ، فقال عامر بن الطفيل : يا محمد ، ما تجعل لي إن أسلمت ؟ فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " لك ما للمسلمين ، وعليك ما عليهم " . قال عامر بن الطفيل : أتجعل لي الأمر إن أسلمت من بعدك ؟ قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " ليس ذلك لك ولا لقومك ، ولكن لك أعنة الخيل " . قال : أنا الآن في أعنة خيل نجد ، اجعل لي الوبر ولك المدر . قال رسول الله : " لا " . فلما قفلا من عنده قال عامر : أما والله لأملأنها عليك خيلا ورجالا فقال له رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " يمنعك الله " . فلما خرج أربد وعامر ، قال عامر : يا أربد ، أنا أشغل عنك محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحديث ، فاضربه بالسيف ، فإن الناس إذا قتلت محمدا لم يزيدوا على أن يرضوا بالدية ، ويكرهوا الحرب ، فنعطيهم الدية . قال أربد : أفعل . فأقبلا راجعين إليه ، فقال عامر : يا محمد ، قم معي أكلمك . فقام معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجلسا إلى الجدار ، ووقف معه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكلمه ، وسل أربد السيف ، فلما وضع يده على السيف يبست يده على قائم السيف ، فلم يستطع سل السيف ، فأبطأ أربد على عامر بالضرب ، فالتفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى أربد ، وما يصنع ، فانصرف عنهما . فلما خرج عامر وأربد من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كانا بالحرة ، حرة واقم نزلا فخرج إليهما سعد بن معاذ nindex.php?page=showalam&ids=168وأسيد بن حضير فقالا اشخصا يا عدوي الله ، لعنكما الله . فقال عامر : من هذا يا سعد ؟ قال : هذا nindex.php?page=showalam&ids=168أسيد بن حضير الكتائب فخرجا حتى إذا كانا بالرقم ، أرسل الله على أربد صاعقة فقتلته ، وخرج عامر حتى إذا كان بالخريم ، أرسل الله قرحة فأخذته فأدركه الليل في بيت امرأة من بني سلول ، فجعل يمس قرحته في حلقه ويقول : غدة كغدة الجمل في بيت سلولية ترغب أن يموت في بيتها! ثم ركب فرسه فأحضره حتى مات عليه راجعا ، فأنزل الله فيهما : ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام ) إلى قوله : ( وما لهم من دونه من وال ) [ الرعد : 8 - 11 ] - قال : المعقبات من أمر الله يحفظون محمدا - صلى الله عليه وسلم - ثم ذكر أربد وما قتله به ، فقال : ( ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ) الآية .
[ ص: 445 ]
وقوله : (
وهم يجادلون في الله ) أي : يشكون في عظمته ، وأنه لا إله إلا هو ، (
وهو شديد المحال )
قال
ابن جرير : شديدة مماحلته في عقوبة من طغى عليه وعتا وتمادى في كفره .
وهذه الآية شبيهة بقوله : (
ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين ) [ النمل : 50 ، 51 ] .
وعن
علي ، رضي الله عنه : (
وهو شديد المحال ) أي : شديد الأخذ . وقال
مجاهد : شديد القوة .