[ ص: 256 ] )
واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون ( 48 ) )
لما ذكرهم [ الله ] تعالى بنعمه أولا عطف على ذلك التحذير من حلول نقمه بهم يوم القيامة فقال : (
واتقوا يوما ) يعني يوم القيامة (
لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) أي : لا يغني أحد عن أحد كما قال : (
ولا تزر وازرة وزر أخرى ) [ الأنعام : 164 ] ، وقال : (
لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) [ عبس : 37 ] ، وقال (
يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا ) [ لقمان : 33 ] ، فهذه أبلغ المقامات : أن كلا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئا ، وقوله تعالى : (
ولا يقبل منها شفاعة ) يعني عن الكافرين ، كما قال : (
فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) [ المدثر : 48 ] ، وكما قال عن أهل النار : (
فما لنا من شافعين ولا صديق حميم ) [ الشعراء : 110 ، 111 ] ، وقوله : (
ولا يؤخذ منها عدل ) أي : لا يقبل منها فداء ، كما قال تعالى : (
إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به ) [ آل عمران : 91 ] وقال : (
إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم ) [ المائدة : 36 ] وقال تعالى : (
وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها ) [ الأنعام : 70 ] ، وقال : (
فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا ) الآية [ الحديد : 15 ] ، فأخبر تعالى أنهم إن لم يؤمنوا برسوله ويتابعوه على ما بعثه به ، ووافوا الله يوم القيامة على ما هم عليه ، فإنه لا ينفعهم قرابة قريب ولا شفاعة ذي جاه ، ولا يقبل منهم فداء ، ولو بملء الأرض ذهبا ، كما قال تعالى : (
من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة ) [ البقرة : 254 ] ، وقال (
لا بيع فيه ولا خلال ) [ إبراهيم : 31 ] .
[ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16061سنيد : حدثني
حجاج ، حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قال
مجاهد : قال
ابن عباس : (
ولا يؤخذ منها عدل ) قال : بدل ، والبدل : الفدية ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : أما عدل فيعدلها من العذاب يقول : لو جاءت بملء الأرض ذهبا تفتدي به ما تقبل منها ، وكذا قال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، ] . وقال
أبو جعفر الرازي ، عن
الربيع بن أنس ، عن
أبي العالية ، في قوله : (
ولا يؤخذ منها عدل ) يعني : فداء .
قال
ابن أبي حاتم : وروي عن
أبي مالك ،
والحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس ، نحو ذلك .
وقال
عبد الرزاق : أنبأنا
الثوري ، عن
الأعمش ، عن
إبراهيم التيمي ، عن أبيه عن
علي - رضي الله عنه - في حديث طويل ، قال : والصرف والعدل : التطوع والفريضة .
وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، عن
عثمان بن أبي العاتكة ، عن
عمير بن هانئ .
[ ص: 257 ]
وهذا القول غريب هنا ، والقول الأول أظهر في تفسير هذه الآية ، وقد ورد حديث يقويه ، وهو ما قال
ابن جرير : حدثني
نجيح بن إبراهيم ، حدثنا
علي بن حكيم ، حدثنا
حميد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16717عمرو بن قيس الملائي ، عن رجل من بني أمية - من أهل الشام أحسن عليه الثناء - قال : قيل :
يا رسول الله ، ما العدل ؟ قال : العدل الفدية .
وقوله تعالى : (
ولا هم ينصرون ) أي : ولا أحد يغضب لهم فينصرهم وينقذهم من عذاب الله ، كما تقدم من أنه لا يعطف عليهم ذو قرابة ولا ذو جاه ولا يقبل منهم فداء . هذا كله من جانب التلطف ، ولا لهم ناصر من أنفسهم ، ولا من غيرهم ، كما قال : (
فما له من قوة ولا ناصر ) [ الطارق : 10 ] أي : إنه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فدية ولا شفاعة ، ولا ينقذ أحدا من عذابه منقذ ، ولا يجيره منه أحد ، كما قال تعالى : (
وهو يجير ولا يجار عليه ) [ المؤمنون : 88 ] . وقال (
فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ) [ الفجر : 25 ، 26 ] ، وقال (
ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون ) [ الصافات : 25 ، 26 ] ، وقال (
فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم ) الآية [ الأحقاف : 28 ] .
وقال
الضحاك عن
ابن عباس في قوله : (
ما لكم لا تناصرون ) ما لكم اليوم لا تمانعون منا ؟ هيهات ليس ذلك لكم اليوم .
قال
ابن جرير : وتأويل قوله : (
ولا هم ينصرون ) يعني : إنهم يومئذ لا ينصرهم ناصر ، كما لا يشفع لهم شافع ، ولا يقبل منهم عدل ولا فدية ، بطلت هنالك المحاباة واضمحلت الرشا والشفاعات ، وارتفع من القوم التعاون والتناصر ، وصار الحكم إلى عدل الجبار الذي لا ينفع لديه الشفعاء والنصراء ، فيجزي بالسيئة مثلها وبالحسنة أضعافها وذلك نظير قوله تعالى : (
وقفوهم إنهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون ) [ الصافات : 24 ، 26 ]