(
ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب ( 38 )
يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ( 39 ) )
يقول تعالى : وكما أرسلناك ، يا
محمد ، رسولا بشريا كذلك [ قد ] بعثنا المرسلين قبلك بشرا يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ويأتون الزوجات ، ويولد لهم ، وجعلنا لهم أزواجا وذرية ، وقد قال [ الله ] تعالى لأشرف الرسل وخاتمهم : (
قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ) [ الكهف : 110 ] .
وفي الصحيحين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825553 " أما أنا فأصوم وأفطر ، وأقوم وأنام ، وآكل الدسم وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
يزيد ، أنبأنا
الحجاج بن أرطاة عن
مكحول قال : قال
أبو أيوب : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501163 " أربع من سنن المرسلين : التعطر ، والنكاح ، والسواك ، والحناء " .
وقد رواه
أبو عيسى الترمذي ، عن
سفيان بن وكيع عن
nindex.php?page=showalam&ids=15730حفص بن غياث ، عن
الحجاج ، عن
مكحول ، عن
أبى الشمال عن
أبي أيوب . . . فذكره ، ثم قال : وهذا أصح من الحديث الذي لم يذكر فيه
أبو الشمال .
وقوله : (
وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) أي : لم يكن يأتي قومه بخارق إلا إذا أذن له فيه ، ليس ذلك إليه ، بل إلى الله ، عز وجل ، يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد .
(
لكل أجل كتاب ) أي : لكل مدة مضروبة كتاب مكتوب بها ، وكل شيء عنده بمقدار ، (
ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير ) [ الحج : 70 ] .
وكان
الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : (
لكل أجل كتاب ) أي : لكل كتاب أجل يعني لكل كتاب أنزله من السماء مدة مضروبة عند الله ومقدار معين ، فلهذا يمحو ما يشاء منها ويثبت ، يعني حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله ، صلوات الله وسلامه عليه .
وقوله : (
يمحو الله ما يشاء ويثبت ) اختلف المفسرون في ذلك ، فقال
الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=17277ووكيع ، وهشيم ، [ ص: 469 ] عن
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15342المنهال بن عمرو ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : يدبر أمر السنة ، فيمحو ما يشاء ، إلا الشقاء والسعادة ، والحياة والموت . وفي رواية : (
يمحو الله ما يشاء ويثبت ) قال : كل شيء إلا الحياة والموت ، والشقاء والسعادة فإنهما قد فرغ منهما .
وقال
مجاهد : (
يمحوا الله ما يشاء ويثبت ) إلا الحياة والموت ، والشقاء والسعادة ، فإنهما لا يتغيران .
وقال
منصور : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهدا فقلت : أرأيت دعاء أحدنا يقول : اللهم ، إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم ، وإن كان في الأشقياء فامحه عنهم واجعله في السعداء . فقال : حسن . ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر ، فسألته عن ذلك ، فقال : (
إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم ) [ الدخان : 3 ، 4 ] قال : يقضي في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة ، ثم يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، فأما كتاب الشقاوة والسعادة فهو ثابت لا يغير .
وقال
الأعمش ، عن
أبي وائل شقيق بن سلمة : إنه كان يكثر أن يدعو بهذا الدعاء : اللهم ، إن كنت كتبتنا أشقياء فامحه ، واكتبنا سعداء ، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب . رواه
ابن جرير .
وقال
ابن جرير أيضا : حدثنا
عمرو بن علي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17105معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن
أبي حكيمة عصمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12081أبي عثمان النهدي; أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال وهو يطوف بالبيت وهو يبكي : اللهم ، إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب ، فاجعله سعادة ومغفرة .
وقال
حماد عن
خالد الحذاء ، عن
أبي قلابة عن
ابن مسعود أنه كان يدعو بهذا الدعاء أيضا .
ورواه
شريك ، عن
هلال بن حميد ، عن
عبد الله بن عكيم ، عن
ابن مسعود ، بمثله .
وقال
ابن جرير : حدثني
المثنى ، حدثنا
حجاج ، حدثنا
خصاف ، عن
أبي حمزة ، عن
إبراهيم; أن
كعبا قال
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين ، لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة . قال : وما هي ؟ قال : قول الله تعالى : (
يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) .
ومعنى هذه الأقوال : أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها ، ويثبت منها ما يشاء ، وقد يستأنس لهذا القول بما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد :
[ ص: 470 ]
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، حدثنا
سفيان ، وهو
الثوري ، عن
عبد الله بن عيسى ، عن
عبد الله بن أبي الجعد ، عن
ثوبان قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821741 " إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر " .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، به .
وثبت في الصحيح أن صلة الرحم تزيد في العمر وفي الحديث الآخر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821742 " إن الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السماء والأرض " .
وقال
ابن جرير : حدثني
محمد بن سهل بن عسكر ، حدثنا
عبد الرزاق ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عطاء ، عن
ابن عباس قال : إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام ، من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت - والدفتان لوحان - لله ، عز وجل [ كل يوم ثلاثمائة ] وستون لحظة ، يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .
وقال
الليث بن سعد ، عن
زياد بن محمد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، عن
فضالة بن عبيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825554 " [ إن الله ] يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل ، في الساعة الأولى منها ينظر في الذكر الذي لا ينظر فيه أحد غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت " . وذكر تمام الحديث . رواه
ابن جرير .
وقال الكلبي : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت ) قال : يمحو من الرزق ويزيد فيه ، ويمحو من الأجل ويزيد فيه . فقيل له : من حدثك بهذا ؟ فقال : أبو صالح ، عن جابر بن عبد الله بن رئاب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم سئل بعد ذلك عن هذه الآية فقال : يكتب القول كله ، حتى إذا كان يوم الخميس ، طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قولك : أكلت وشربت ، دخلت وخرجت ونحوه من الكلام ، وهو صادق ، ويثبت ما كان فيه الثواب ، وعليه العقاب .
وقال
عكرمة ، عن
ابن عباس : الكتاب كتابان : فكتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .
وقال
العوفي ، عن
ابن عباس في قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) يقول : هو
[ ص: 471 ] الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ، ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة ، فهو الذي يمحو ، والذي يثبت : الرجل يعمل بمعصية الله ، وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله ، وهو الذي يثبت .
وروي عن
سعيد بن جبير : أنها بمعنى : (
فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير ) [ البقرة : 284 ] .
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : (
يمحو الله ما يشاء ويثبت ) يقول : يبدل ما يشاء فينسخه ، ويثبت ما يشاء فلا يبدله ، (
وعنده أم الكتاب ) يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ، الناسخ والمنسوخ ، وما يبدل ، وما يثبت كل ذلك في كتاب .
وقال
قتادة في قوله : (
يمحو الله ما يشاء ويثبت ) كقوله (
ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) [ البقرة : 106 ]
وقال
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قوله : (
يمحو الله ما يشاء ويثبت ) قال : قالت كفار
قريش حين أنزلت : (
وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) ما نراك يا
محمد تملك من شيء ، ولقد فرغ من الأمر . فأنزلت هذه الآية تخويفا ، ووعيدا لهم : إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا ، ونحدث في كل رمضان ، فنمحو ونثبت ما نشاء من أرزاق الناس ومصائبهم ، وما نعطيهم ، وما نقسم لهم .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري : (
يمحو الله ما يشاء ) قال : من جاء أجله ، فذهب ، ويثبت الذي هو حي يجري إلى أجله .
وقد اختار هذا القول
أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله .
وقوله : (
وعنده أم الكتاب ) قال : الحلال والحرام .
وقال
قتادة : أي جملة الكتاب وأصله .
وقال
الضحاك : (
وعنده أم الكتاب ) قال : كتاب عند رب العالمين .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16061سنيد بن داود ، حدثني
معتمر ، عن أبيه ، عن
سيار ، عن
ابن عباس; أنه سأل
كعبا عن " أم الكتاب " ، فقال : علم الله ، ما هو خالق ، وما خلقه عاملون ، ثم قال لعلمه : " كن كتابا " . فكانا كتابا .
وقال
ابن جرير ، عن
ابن عباس : (
وعنده أم الكتاب ) قال : الذكر ، [ والله أعلم ] .