[ ص: 476 ] تفسير سورة إبراهيم عليه السلام وهي مكية .
بسم الله الرحمن الرحيم
(
الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ( 1 )
الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد ( 2 )
الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد ( 3 ) )
قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور .
(
كتاب أنزلناه إليك ) أي : هذا كتاب أنزلناه إليك يا
محمد ، وهو
القرآن العظيم ، الذي هو أشرف كتاب أنزله الله من السماء ، على أشرف رسول بعثه الله في الأرض ، إلى جميع أهلها عربهم وعجمهم .
(
لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ) أي : إنما بعثناك يا
محمد بهذا الكتاب; لتخرج الناس مما هم فيه من الضلال والغي إلى الهدى والرشد ، كما قال : (
الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) الآية [ البقرة : 257 ] ، وقال تعالى : (
هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور ) [ الحديد : 9 ] .
وقوله : (
بإذن ربهم ) أي : هو الهادي لمن قدر له الهداية على يدي رسوله المبعوث عن أمره يهديهم (
إلى صراط العزيز ) أي : العزيز الذي لا يمانع ولا يغالب ، بل هو القاهر لكل ما سواه ، "
الحميد " أي : المحمود في جميع أفعاله وأقواله ، وشرعه وأمره ونهيه ، الصادق في خبره .
وقوله : (
الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ) قرأه بعضهم مستأنفا مرفوعا ، وقرأه آخرون على الإتباع صفة للجلالة ، كما قال تعالى : (
قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض ) [ الأعراف : 158 ] .
وقوله : (
وويل للكافرين من عذاب شديد ) أي : ويل لهم يوم القيامة إذ خالفوك يا
محمد [ ص: 477 ] وكذبوك .
ثم وصفهم بأنهم يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ، أي : يقدمونها ويؤثرونها عليها ، ويعملون للدنيا ونسوا الآخرة ، وتركوها وراء ظهورهم ، (
ويصدون عن سبيل الله ) وهي اتباع الرسل (
ويبغونها عوجا ) أي : ويحبون أن تكون سبيل الله عوجا مائلة عائلة وهي مستقيمة في نفسها ، لا يضرها من خالفها ولا من خذلها ، فهم في ابتغائهم ذلك في جهل وضلال بعيد من الحق ، لا يرجى لهم - والحالة هذه - صلاح .