[ ص: 524 ] تفسير سورة الحجر وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ( 1 )
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ( 2 )
ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ( 3 ) )
قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور .
وقوله : (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) إخبار عنهم أنهم سيندمون على ما كانوا فيه من الكفر ، ويتمنون لو كانوا مع المسلمين في الدار الدنيا .
ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في تفسيره بسنده المشهور عن
ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، وغيرهما من الصحابة : أن الكفار لما عرضوا على النار ، تمنوا أن لو كانوا مسلمين .
وقيل : المراد أن كل كافر يود عند احتضاره أن لو كان مؤمنا .
وقيل : هذا إخبار عن يوم القيامة ، كما في قوله تعالى : (
ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين ) [ الأنعام : 27 ]
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : عن
سلمة بن كهيل ، عن
أبي الزعراء ، عن
عبد الله في قوله : (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) قال : هذا في الجهنميين إذ رأوهم يخرجون من النار .
وقال
ابن جرير : حدثنا
المثنى ، حدثنا
مسلم ،
حدثنا القاسم ، حدثنا
ابن أبي فروة العبدي أن
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك كانا يتأولان هذه الآية : (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) يتأولانها : يوم يحبس الله أهل الخطايا من المسلمين مع المشركين في النار . قال : فيقول لهم المشركون : ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون في الدنيا . قال : فيغضب الله لهم بفضل رحمته ، فيخرجهم ، فذلك حين يقول : (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين )
وقال
عبد الرزاق : أخبرنا
الثوري ، عن
حماد ، عن
إبراهيم ، عن
خصيف ، عن
مجاهد قالا : يقول أهل النار للموحدين : ما أغنى عنكم إيمانكم ؟ فإذا قالوا ذلك ، قال : أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة ، قال : فعند ذلك قوله : (
[ ربما ] يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين )
وهكذا روي عن
الضحاك ،
وقتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبي العالية ، وغيرهم . وقد ورد في ذلك أحاديث مرفوعة ، فقال الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=14687أبو القاسم الطبراني .
[ ص: 525 ]
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13671محمد بن العباس هو الأخرم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17029محمد بن منصور الطوسي ، حدثنا
صالح بن إسحاق الجهبذ - دلني عليه
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين - حدثنا
معرف بن واصل ، عن
يعقوب بن أبي نباتة عن
عبد الرحمن الأغر ، عن
أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501173 : " إن ناسا من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم ، فيقول لهم أهل اللات والعزى : ما أغنى عنكم قولكم : لا إله إلا الله وأنتم معنا في النار ، فيغضب الله لهم ، فيخرجهم ، فيلقيهم في نهر الحياة ، فيبرءون من حرقهم كما يبرأ القمر من خسوفه ، فيدخلون الجنة ، ويسمون فيها الجهنميين " فقال رجل : يا أنس ، أنت سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال أنس : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " . نعم ، أنا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا .
ثم قال
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني : تفرد به
الجهبذ
الحديث الثاني : وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني أيضا : حدثنا
عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا
أبو الشعثاء علي بن حسن الواسطي ، حدثنا
خالد بن نافع الأشعري ، عن
سعيد بن أبي بردة ، عن أبيه ، عن
أبي موسى - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501174إذا اجتمع أهل النار في النار ، ومعهم من شاء الله من أهل القبلة ، قال الكفار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين ؟ قالوا : بلى . قالوا : فما أغنى عنكم الإسلام ! فقد صرتم معنا في النار ؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها . فسمع الله ما قالوا ، فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا ، فلما رأى ذلك من بقي من الكفار قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا " . قال : ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين )
ورواه
ابن أبي حاتم من حديث
خالد بن نافع به ، وزاد فيه : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، عوض الاستعاذة .
الحديث الثالث : وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني أيضا : حدثنا
موسى بن هارون ، حدثنا
إسحاق بن راهويه قال : قلت
لأبي أسامة : أحدثكم
أبو روق - واسمه
عطية بن الحارث - : حدثني
صالح بن أبي طريف قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=44أبا سعيد الخدري فقلت له : هل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في هذه الآية : (
ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) ؟ قال : نعم ، سمعته يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825575 " يخرج الله ناسا من المؤمنين من [ ص: 526 ] النار بعدما يأخذ نقمته منهم " . وقال : " لما أدخلهم الله النار مع المشركين قال لهم المشركون : تزعمون أنكم أولياء الله في الدنيا ، فما بالكم معنا في النار ؟ فإذا سمع الله ذلك منهم ، أذن في الشفاعة لهم فتشفع الملائكة والنبيون ، ويشفع المؤمنون ، حتى يخرجوا بإذن الله ، فإذا رأى المشركون ذلك ، قالوا : يا ليتنا كنا مثلهم ، فتدركنا الشفاعة ، فنخرج معهم " . قال : " فذلك قول الله : ( ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) فيسمون في الجنة الجهنميين من أجل سواد في وجوههم ، فيقولون : يا رب ، أذهب عنا هذا الاسم ، فيأمرهم فيغتسلون في نهر الجنة ، فيذهب ذلك الاسم عنهم " ، فأقر به
أبو أسامة ، وقال : نعم .
الحديث الرابع وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا
علي بن الحسين ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=14747العباس بن الوليد النرسي حدثنا
مسكين أبو فاطمة ، حدثني
اليمان بن يزيد ، عن
محمد بن حمير عن
محمد بن علي ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825576 " منهم من تأخذه النار إلى ركبتيه ، ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته ، ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه ، على قدر ذنوبهم وأعمالهم ، ومنهم من يمكث فيها شهرا ثم يخرج منها ، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها ، وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تفنى ، فإذا أراد الله أن يخرجوا منها قالت اليهود والنصارى ومن في النار من أهل الأديان والأوثان لمن في النار من أهل التوحيد : آمنتم بالله وكتبه ورسله ، فنحن وأنتم اليوم في النار سواء ، فيغضب الله لهم غضبا لم يغضبه لشيء فيما مضى ، فيخرجهم إلى عين في الجنة ، وهو قوله : ( ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ) .
وقوله : (
ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ) تهديد لهم شديد ، ووعيد أكيد ، كقوله تعالى : (
قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار ) [ إبراهيم : 30 ] وقوله : (
كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ) [ المرسلات : 46 ] ولهذا قال : (
ويلههم الأمل ) أي : عن التوبة والإنابة ، (
فسوف يعلمون ) أي : عاقبة أمرهم .