(
وقل إني أنا النذير المبين ( 89 )
كما أنزلنا على المقتسمين ( 90 )
الذين جعلوا القرآن عضين ( 91 )
فوربك لنسألنهم أجمعين ( 92 )
عما كانوا يعملون ( 93 ) )
يأمر تعالى نبيه - صلوات الله وسلامه عليه - أن يقول للناس : إنه (
النذير المبين ) البين النذارة ، نذير للناس من عذاب أليم أن يحل بهم على تكذيبه كما حل بمن تقدمهم من الأمم المكذبة لرسلها ، وما أنزل الله عليهم من العذاب والانتقام .
وقوله : (
المقتسمين ) أي : المتحالفين ، أي : تحالفوا على مخالفة الأنبياء وتكذيبهم وأذاهم ، كما قال تعالى إخبارا عن قوم
صالح أنهم : (
قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ) [ النمل : 46 ] أي : نقتلهم ليلا قال
مجاهد : تقاسموا : تحالفوا .
(
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ) [ النحل : 38 ] (
أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال ) [ إبراهيم : 44 ] (
أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ) [ الأعراف : 49 ] فكأنهم كانوا لا يكذبون بشيء إلا أقسموا عليه ، فسموا مقتسمين .
[ ص: 549 ]
قال
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : المقتسمون أصحاب
صالح ، الذين تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله .
وفي الصحيحين ، عن
أبي موسى [ الأشعري ] عن
nindex.php?page=hadith&LINKID=823796النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به ، كمثل رجل أتى قومه فقال : يا قوم ، إني رأيت الجيش بعيني ، وإني أنا النذير العريان ، فالنجاء النجاء ! فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا ، وانطلقوا على مهلهم فنجوا ، وكذبه طائفة منهم فأصبحوا مكانهم ، فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم ، فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به ، ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق "
وقوله : (
الذين جعلوا القرآن عضين ) أي : جزءوا كتبهم المنزلة عليهم ، فآمنوا ببعض وكفروا ببعض .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا
هشيم ، أنبأنا
أبو بشر ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : (
جعلوا القرآن عضين ) قال : هم أهل الكتاب ، جزءوه أجزاء ، فآمنوا ببعضه ، وكفروا ببعضه
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى ، عن
الأعمش ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12062أبي ظبيان ، عن
ابن عباس : (
كما أنزلنا على المقتسمين ) قال : آمنوا ببعض ، وكفروا ببعض :
اليهود والنصارى
قال
ابن أبي حاتم : وروي عن
مجاهد ،
وعكرمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
والحسن ،
والضحاك مثل ذلك .
وقال
الحكم بن أبان ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس : (
جعلوا القرآن عضين ) قال : السحر . وقال
عكرمة : العضه : السحر بلسان
قريش ، تقول للساحرة : إنها العاضهة
وقال
مجاهد : عضوه أعضاء ، قالوا : سحر ، وقالوا : كهانة ، وقالوا : أساطير الأولين .
وقال
عطاء : قال بعضهم : ساحر ، وقال بعضهم : مجنون . وقال بعضهم كاهن . فذلك العضين ، وكذا روي عن
الضحاك وغيره .
وقال
محمد بن إسحاق ، عن
محمد بن أبي محمد ، عن
سعيد أو
عكرمة ، عن
ابن عباس : أن
الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من
قريش ، وكان ذا شرف فيهم ، وقد حضر الموسم فقال لهم : يا معشر
قريش ، إنه قد حضر هذا الموسم ، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر
[ ص: 550 ] صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قولكم بعضه بعضا . فقالوا : وأنت يا
أبا عبد شمس ، فقل وأقم لنا رأيا نقول به . قال : بل أنتم قولوا لأسمع . قالوا : نقول كاهن " . قال : ما هو بكاهن . قالوا : فنقول : " مجنون " . قال : ما هو بمجنون ! قالوا فنقول : " شاعر " . قال : ما هو بشاعر . قالوا : فنقول : " ساحر " . قال : ما هو بساحر . قالوا : فماذا نقول ؟ قال : والله إن لقوله حلاوة ، فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل ، وإن أقرب القول أن تقولوا : هو ساحر . فتفرقوا عنه بذلك ، وأنزل الله فيهم : (
الذين جعلوا القرآن عضين ) أصنافا (
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) دوينك النفر الذين قالوا ذلك لرسول الله .
وقال
عطية العوفي ، عن
ابن عمر في قوله : (
لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) قال : عن لا إله إلا الله .
وقال
عبد الرزاق ، أنبأنا
الثوري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16861ليث - هو ابن أبي سليم - عن
مجاهد في قوله : (
لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) قال : عن لا إله إلا الله
وقد روى
الترمذي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12201وأبو يعلى الموصلي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم من حديث
شريك القاضي ، عن
ليث بن أبي سليم ، عن
بشير بن نهيك ، عن
أنس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : (
فوربك لنسألنهم أجمعين ) [ قال ] عن لا إله إلا الله
ورواه
ابن إدريس ، عن
ليث ، عن
بشير عن
أنس موقوفا
وقال
ابن جرير : حدثنا
أحمد ، حدثنا
أبو أحمد ، حدثنا
شريك ، عن
هلال ، عن
عبد الله بن عكيم قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله - هو ابن مسعود - : والذي لا إله غيره ، ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به يوم القيامة ، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ، فيقول : ابن
آدم ماذا غرك مني بي ؟ ابن
آدم ماذا عملت فيما علمت ؟ ابن
آدم ، ماذا أجبت المرسلين ؟
وقال
أبو جعفر : عن
الربيع ، عن
أبي العالية : قال : يسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة ، عما كانوا يعبدون ، وماذا أجابوا المرسلين .
[ ص: 551 ]
وقال
ابن عيينة عن عملك ، وعن
مالك .
وقال
ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا
أحمد بن أبي الحواري ، حدثنا
يونس الحذاء ، عن
أبي حمزة الشيباني ، عن
معاذ بن جبل قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
يا معاذ إن المؤمن ليسأل يوم القيامة عن جميع سعيه ، حتى كحل عينيه ، وعن فتات الطينة بأصبعيه ، فلا ألفينك يوم القيامة وأحد أسعد بما آتى الله منك "
وقال
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس : (
فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) ثم قال (
فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) [ الرحمن : 39 ] قال : لا يسألهم : هل عملتم كذا ؛ لأنه أعلم بذلك منهم ، ولكن يقول : لم عملتم كذا وكذا ؟