(
وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ( 14 )
وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون ( 15 )
وعلامات وبالنجم هم يهتدون ( 16 )
أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون ( 17 )
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ( 18 ) )
يخبر تعالى عن تسخيره البحر المتلاطم الأمواج ، ويمتن على عباده بتذليله لهم ، وتيسيره للركوب فيه ، وجعله السمك والحيتان فيه ، وإحلاله لعباده لحمها حيها وميتها ، في الحل والإحرام وما يخلقه فيه من اللآلئ والجواهر النفيسة ، وتسهيله للعباد استخراجها من قرارها حلية يلبسونها ، وتسخيره البحر لحمل السفن التي تمخره ، أي : تشقه .
وقيل : تمخر الرياح ، وكلاهما صحيح بجؤجئها وهو صدرها المسنم - الذي أرشد العباد إلى صنعتها ، وهداهم إلى ذلك ، إرثا عن أبيهم
نوح - عليه السلام - فإنه أول من ركب السفن ، وله كان تعليم صنعتها ، ثم أخذها الناس عنه قرنا بعد قرن ، وجيلا بعد جيل ، يسيرون من قطر إلى قطر ، وبلد إلى بلد ، وإقليم إلى إقليم ، تجلب ما هنا إلى هنالك ، وما هنالك إلى هنا ; ولهذا قال تعالى : (
ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) أي : نعمه وإحسانه .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=13863الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : وجدت في كتابي عن
محمد بن معاوية البغدادي : حدثنا
عبد الرحمن بن عبد الله بن [ عمر ، عن ]
سهيل بن أبى صالح ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة [ رفعه ] قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=825589كلم الله هذا البحر الغربي ، وكلم البحر الشرقي ، فقال للبحر الغربي : إني حامل فيك عبادا من عبادي ، فكيف أنت صانع فيهم ؟ قال : أغرقهم . فقال : بأسك في نواحيك . وأحملهم على يدي . وحرمه الحلية والصيد . وكلم هذا البحر الشرقي فقال : إني حامل فيك عبادا من عبادي ، فما أنت صانع بهم ؟ فقال : أحملهم على يدي ، وأكون لهم كالوالدة لولدها . فأثابه الحلية والصيد .
[ ص: 563 ]
ثم قال
البزار : لا نعلم من رواه عن
سهيل غير
عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر وهو منكر الحديث . وقد رواه
سهيل عن
النعمان بن أبي عياش عن
عبد الله بن عمرو موقوفا .
ثم ذكر تعالى الأرض ، وما جعل فيها من الرواسي الشامخات والجبال الراسيات ، لتقر الأرض ولا تميد أي : تضطرب بما عليها من الحيوان فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك ; ولهذا قال : (
والجبال أرساها ) [ النازعات : 32 ] .
وقال
عبد الرزاق : أنبأنا
معمر ، عن
قتادة ، سمعت
الحسن يقول : لما خلقت الأرض كانت تميد ، فقالوا ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا فأصبحوا وقد خلقت الجبال ، لم تدر الملائكة مم خلقت الجبال .
وقال
سعيد عن
قتادة ، عن
الحسن ، عن
قيس بن عبادة : أن الله تعالى لما خلق الأرض ، جعلت تمور ، فقالت الملائكة : ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا ، فأصبحت صبحا وفيها رواسيها .
وقال
ابن جرير : حدثني
المثنى ، حدثنا
حجاج بن منهال ، حدثنا
حماد ، عن
عطاء بن السائب ، عن
عبد الله بن حبيب ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : لما خلق الله الأرض قمصت وقالت : أي رب ، تجعل علي بني آدم يعملون علي الخطايا ويجعلون علي الخبث ؟ قال : فأرسى الله فيها من الجبال ما ترون وما لا ترون ، فكان إقرارها كاللحم يترجرج . .
وقوله : (
وأنهارا وسبلا ) أي : وجعل فيها أنهارا تجري من مكان إلى مكان آخر ، رزقا للعباد ، ينبع في موضع وهو رزق لأهل موضع آخر ، فيقطع البقاع والبراري والقفار ، ويخترق الجبال والآكام ، فيصل إلى البلد الذي سخر لأهله . وهي سائرة في الأرض يمنة ويسرة ، وجنوبا وشمالا وشرقا وغربا ، ما بين صغار وكبار ، وأودية تجري حينا وتنقطع في وقت ، وما بين نبع وجمع ،
[ ص: 564 ] وقوي السير وبطيئه ، بحسب ما أراد وقدر ، وسخر ويسر فلا إله إلا هو ، ولا رب سواه .
وكذلك جعل فيها سبلا أي : طرقا يسلك فيها من بلاد إلى بلاد ، حتى إنه تعالى ليقطع الجبل حتى يكون ما بينهما ممرا ومسلكا ، كما قال تعالى : (
وجعلنا فيها فجاجا سبلا ) [ الأنبياء : 31 ] .
وقوله : ( وعلامات ) أي : دلائل من جبال كبار وآكام صغار ، ونحو ذلك ، يستدل بها المسافرون برا وبحرا إذا ضلوا الطريق [ بالنهار ] .
وقوله : (
وبالنجم هم يهتدون ) أي : في ظلام الليل ، قاله
ابن عباس .
وعن
مالك في قوله : ( وعلامات ) يقولون : النجوم ، وهي الجبال .
ثم قال تعالى منبها على عظمته ، وأنه
لا تنبغي العبادة إلا له دون ما سواه من الأوثان ، التي لا تخلق شيئا بل هم يخلقون ; ولهذا قال : (
أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون )
ثم نبههم على كثرة نعمه عليهم وإحسانه إليهم ، فقال : (
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم ) أي : يتجاوز عنكم ، ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك ، ولو أمركم به لضعفتم وتركتم ، ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم ، ولكنه غفور رحيم ، يغفر الكثير ، ويجازي على اليسير .
وقال
ابن جرير : يقول : (
إن الله لغفور رحيم ) لما كان منكم من تقصير في شكر بعض ذلك ، إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته ، ( رحيم ) بكم أن يعذبكم ، [ أي ] : بعد الإنابة والتوبة .