وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ( 61 ) )
يقول تعالى : (
وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) أي : وضعت عليهم وألزموا بها شرعا وقدرا ، أي : لا يزالون مستذلين ، من وجدهم استذلهم وأهانهم ، وضرب عليهم الصغار ، وهم مع ذلك في أنفسهم أذلاء متمسكنون .
قال
الضحاك عن
ابن عباس في قوله : (
وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) قال : هم أصحاب النيالات يعني أصحاب الجزية .
وقال
عبد الرزاق ، عن
معمر ، عن
الحسن وقتادة ، في قوله تعالى : (
وضربت عليهم ) قال : يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون ، وقال
الضحاك : (
وضربت عليهم الذلة ) قال : الذل . وقال
الحسن : أذلهم الله فلا منعة لهم ، وجعلهم الله تحت أقدام المسلمين . ولقد أدركتهم هذه الأمة وإن المجوس لتجبيهم الجزية .
وقال
أبو العالية nindex.php?page=showalam&ids=14354والربيع بن أنس nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي : المسكنة : الفاقة . وقال
عطية العوفي : الخراج . وقال
الضحاك : الجزية .
وقوله تعالى : (
وباءوا بغضب من الله ) قال
الضحاك : استحقوا الغضب من الله ، وقال
الربيع بن أنس : فحدث عليهم غضب من الله . وقال
سعيد بن جبير : (
وباءوا بغضب من الله ) يقول : استوجبوا سخطا ، وقال
ابن جرير : يعني بقوله : ( وباءوا بغضب من الله ) انصرفوا ورجعوا ، ولا يقال : باءوا إلا موصولا إما بخير وإما بشر ، يقال منه : باء فلان بذنبه يبوء به بوءا وبواء . ومنه قوله تعالى : (
إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك ) [ المائدة : 29 ] يعني : تنصرف متحملهما وترجع بهما ، قد صارا عليك دوني . فمعنى الكلام إذا : فرجعوا منصرفين متحملين غضب الله ، قد صار عليهم من الله غضب ، ووجب عليهم من الله سخط .
وقوله تعالى : (
ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ) يقول تعالى :
[ ص: 283 ]
هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة ، وإحلال الغضب بهم بسبب استكبارهم عن اتباع الحق ، وكفرهم بآيات الله ، وإهانتهم حملة الشرع وهم الأنبياء وأتباعهم ، فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم ، فلا كبر أعظم من هذا ، إنهم كفروا بآيات الله وقتلوا أنبياء الله بغير الحق ؛ ولهذا جاء في الحديث المتفق على صحته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820263الكبر بطر الحق ، وغمط الناس .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
إسماعيل ، عن
ابن عون ، عن
عمرو بن سعيد ، عن
حميد بن عبد الرحمن ، قال : قال
ابن مسعود : كنت لا أحجب عن النجوى ، ولا عن كذا ولا عن كذا قال : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده
مالك بن مرارة الرهاوي ، فأدركته من آخر حديثه ، وهو يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820264يا رسول الله ، قد قسم لي من الجمال ما ترى ، فما أحب أن أحدا من الناس فضلني بشراكين فما فوقهما أفليس ذلك هو البغي ؟ فقال : لا ليس ذلك من البغي ، ولكن البغي من بطر - أو قال : سفه الحق - وغمط الناس . يعني : رد الحق وانتقاص الناس ، والازدراء بهم والتعاظم عليهم . ولهذا لما ارتكب
بنو إسرائيل ما ارتكبوه من الكفر بآيات الله وقتل أنبيائهم ، أحل الله بهم بأسه الذي لا يرد ، وكساهم ذلا في الدنيا موصولا بذل الآخرة
جزاء وفاقا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي : حدثنا
شعبة ، عن
الأعمش ، عن
إبراهيم ، عن
أبي معمر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، قال : كانت
بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاثمائة نبي ، ثم يقيمون سوق بقلهم في آخر النهار .
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
عبد الصمد ، حدثنا
أبان ، حدثنا
عاصم ، عن
أبي وائل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله - يعني ابن مسعود - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=820265أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتله نبي ، أو قتل نبيا ، وإمام ضلالة وممثل من الممثلين .
وقوله تعالى : (
ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) وهذه علة أخرى في مجازاتهم بما جوزوا به ، أنهم كانوا يعصون ويعتدون ، فالعصيان فعل المناهي ، والاعتداء المجاوزة في حد المأذون فيه أو المأمور به . والله أعلم .