(
ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسألن عما كنتم تفترون ( 56 )
ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون ( 57 )
وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ( 58 )
يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ( 59 )
للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم ( 60 ) )
يخبر تعالى عن قبائح المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأصنام والأوثان والأنداد ، وجعلوا لها نصيبا مما رزقهم الله فقالوا : (
هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله [ بغير علم ] وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ) [ الأنعام : 136 ] أي : جعلوا لآلهتهم نصيبا مع الله وفضلوهم أيضا على جانبه ، فأقسم الله تعالى بنفسه الكريمة ليسألنهم عن ذلك الذي افتروه ، وائتفكوه ، وليقابلنهم عليه وليجازينهم أوفر الجزاء في نار جهنم ، فقال : (
تالله لتسألن عما كنتم تفترون )
ثم أخبر تعالى عنهم أنهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ، وجعلوها بنات الله ، وعبدوها معه ، فأخطؤوا خطأ كبيرا في كل مقام من هذه المقامات الثلاث ، فنسبوا إليه تعالى أن له ولدا ، ولا ولد له ، ثم أعطوه أخس القسمين من الأولاد - وهو البنات - وهم لا يرضونها لأنفسهم ، كما قال : (
ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى ) [ النجم : 21 ، 22 ] وقال هاهنا : (
ويجعلون لله البنات سبحانه ) أي : عن قولهم وإفكهم (
ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون أصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون ) [ الصافات : 151 - 154 ] .
[ ص: 578 ]
وقوله : (
ولهم ما يشتهون ) أي : يختارون لأنفسهم الذكور ويأنفون لأنفسهم من البنات التي نسبوها إلى الله ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ، فإنه (
وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا ) أي : كئيبا من الهم ، ( وهو كظيم ) ساكت من شدة ما هو فيه من الحزن ، (
يتوارى من القوم ) أي : يكره أن يراه الناس (
من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ) أي : إن أبقاها أبقاها مهانة لا يورثها ، ولا يعتني بها ، ويفضل أولاده الذكور عليها ، (
أم يدسه في التراب ) أي : يئدها : وهو : أن يدفنها فيه حية ، كما كانوا يصنعون في الجاهلية ، أفمن يكرهونه هذه الكراهة ويأنفون لأنفسهم عنه يجعلونه لله ؟ ! (
ألا ساء ما يحكمون ) أي : بئس ما قالوا ، وبئس ما قسموا ، وبئس ما نسبوا إليه ، كما قال تعالى : (
وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم ) [ الزخرف : 17 ] وقال هاهنا : (
للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ) أي : النقص إنما ينسب إليهم ، (
ولله المثل الأعلى ) أي : الكمال المطلق من كل وجه ، وهو منسوب إليه ، (
وهو العزيز الحكيم )