(
وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ( 68 )
ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ( 69 ) )
المراد بالوحي هاهنا : الإلهام والهداية والإرشاد إلى النحل أن تتخذ من الجبال بيوتا تأوي إليها ، ومن الشجر ، ومما يعرشون . ثم هي محكمة في غاية الإتقان في تسديسها ورصها ، بحيث لا يكون بينها خلل .
[ ص: 582 ]
ثم أذن لها تعالى إذنا قدريا تسخيريا أن تأكل من كل الثمرات ، وأن تسلك الطرق التي جعلها الله تعالى لها مذللة ، أي : سهلة عليها حيث شاءت في هذا الجو العظيم والبراري الشاسعة ، والأودية والجبال الشاهقة ، ثم تعود كل واحدة منها إلى موضعها وبيتها ، لا تحيد عنه يمنة ولا يسرة ، بل إلى بيتها وما لها فيه من فراخ وعسل ، فتبني الشمع من أجنحتها ، وتقيء العسل من فيها وتبيض الفراخ من دبرها ، ثم تصبح إلى مراعيها .
وقال
قتادة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16327وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : (
فاسلكي سبل ربك ذللا ) أي : مطيعة . فجعلاه حالا من السالكة . قال
ابن زيد : وهو كقول الله تعالى : (
وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) [ يس : 72 ] قال : ألا ترى أنهم ينقلون النحل من بيوته من بلد إلى بلد وهو يصحبهم .
والقول الأول أظهر ، وهو أنه حال من الطريق ، أي : فاسلكيها مذللة لك ، نص عليه
مجاهد . وقال
ابن جرير : كلا القولين صحيح .
وقد قال
أبو يعلى الموصلي : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16131شيبان بن فروخ ، حدثنا
سكين بن عبد العزيز ، عن
أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824549 " عمر الذباب أربعون يوما ، والذباب كله في النار إلا النحل " .
وقوله تعالى (
يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه ) أي : ما بين أبيض وأصفر وأحمر وغير ذلك من الألوان الحسنة ، على اختلاف مراعيها ومأكلها منها .
وقوله : (
فيه شفاء للناس ) أي : في
العسل شفاء للناس من أدواء تعرض لهم . قال بعض من تكلم على الطب النبوي : لو قال فيه : " الشفاء للناس " لكان دواء لكل داء ، ولكن قال (
فيه شفاء للناس ) أي : يصلح لكل أحد من أدواء باردة ، فإنه حار ، والشيء يداوى بضده .
وقال
مجاهد بن جبر في قوله : (
فيه شفاء للناس ) يعني : القرآن .
وهذا قول صحيح في نفسه ، ولكن ليس هو الظاهر هاهنا من سياق الآية ; فإن الآية إنما ذكر فيها العسل ، ولم يتابع
مجاهد على قوله هاهنا ، وإنما الذي قاله ذكروه في قوله تعالى : (
وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ) الآية [ الإسراء : 82 ] . وقوله تعالى : (
يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) [ يونس : 57 ] .
والدليل على أن
المراد بقوله تعالى : ( فيه شفاء للناس ) هو العسل - الحديث الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم في صحيحيهما من رواية
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11904أبي المتوكل علي بن داود الناجي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=824550جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن أخي استطلق بطنه . فقال : " اسقه عسلا " . فسقاه عسلا ثم جاء فقال : يا رسول الله ، سقيته عسلا فما زاده إلا استطلاقا ، قال : " اذهب فاسقه عسلا " . فذهب فسقاه ، ثم جاء فقال : يا رسول الله ، ما زاده إلا استطلاقا ، فقال رسول [ ص: 583 ] الله - صلى الله عليه وسلم - : " صدق الله ، وكذب بطن أخيك ، اذهب فاسقه عسلا " . فذهب فسقاه فبرئ .
قال بعض العلماء بالطب : كان هذا الرجل عنده فضلات ، فلما سقاه عسلا وهو حار تحللت ، فأسرعت في الاندفاع ، فزاد إسهاله ، فاعتقد الأعرابي أن هذا يضره وهو مصلحة لأخيه ، ثم سقاه فازداد التحليل والدفع ، ثم سقاه فكذلك ، فلما اندفعت الفضلات الفاسدة المضرة بالبدن استمسك بطنه ، وصلح مزاجه ، واندفعت الأسقام والآلام ببركة إشارته - عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام - .
وفي الصحيحين من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن
عائشة ، - رضي الله عنها -
nindex.php?page=hadith&LINKID=823808أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يعجبه الحلواء والعسل . هذا لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : من حديث
سالم الأفطس ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823809 " الشفاء في ثلاثة : في شرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو كية بنار ، وأنهى أمتي عن الكي " .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري : حدثنا
أبو نعيم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12827عبد الرحمن بن الغسيل ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16276عاصم بن عمر بن قتادة ، سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823810 " إن كان في شيء من أدويتكم ، أو يكون في شيء من أدويتكم خير : ففي شرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو لذعة بنار توافق الداء ، وما أحب أن أكتوي " .
ورواه
مسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16276عاصم بن عمر بن قتادة ، عن
جابر به .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
علي بن إسحاق ، أنبأنا
عبد الله ، أنبأنا
nindex.php?page=showalam&ids=15986سعيد بن أبي أيوب ، حدثنا
عبد الله بن الوليد ، عن
أبي الخير ، عن
عقبة بن عامر الجهني قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823811 " ثلاث إن كان في شيء شفاء : فشرطة محجم ، أو شربة عسل ، أو كية تصيب ألما ، وأنا أكره الكي ولا أحبه " .
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني عن
هارون بن ملول المصري ، عن
أبي عبد الرحمن المقرئ ، [ عن
حيوة بن شريح ] عن
عبد الله بن الوليد به . ولفظه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823812 " إن كان في شيء شفاء : فشرطة محجم " . . . وذكره وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه .
وقال
الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني في سننه : حدثنا
علي بن سلمة [ ص: 584 ] - هو
اللبقي - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15945زيد بن الحباب ، حدثنا
سفيان عن
أبي إسحاق ، عن
أبي الأحوص ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله - هو ابن مسعود - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823813 " عليكم بالشفاءين : العسل والقرآن " .
وهذا إسناد جيد ، تفرد بإخراجه
ابن ماجه مرفوعا . وقد رواه
ابن جرير ، عن
سفيان بن وكيع ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان - هو الثوري - به موقوفا : ولهو أشبه .
وروينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=8أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال : إذا أراد أحدكم الشفاء فليكتب آية من كتاب الله في صحفة ، وليغسلها بماء السماء ، وليأخذ من امرأته درهما عن طيب نفس منها ، فليشتر به عسلا فليشربه بذلك ، فإنه شفاء . أي : من وجوه ، قال الله : (
وننزل من القرآن ما هو شفاء ) [ الإسراء : 82 ] وقال : (
ونزلنا من السماء ماء مباركا ) [ ق : 9 ] وقال : (
فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ) [ النساء : 4 ] وقال في العسل : (
فيه شفاء للناس )
وقال
ابن ماجه أيضا : حدثنا
محمود بن خداش ، حدثنا
سعيد بن زكريا القرشي ، حدثنا
الزبير بن سعيد الهاشمي ، عن
عبد الحميد بن سالم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823814 " من لعق العسل ثلاث غدوات في كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء " .
الزبير بن سعيد متروك .
وقال
ابن ماجه أيضا : حدثنا
إبراهيم بن محمد بن يوسف بن سرح الفريابي ، حدثنا
عمرو بن بكر السكسكي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12356إبراهيم بن أبي عبلة . سمعت
أبا أبي بن أم حرام - وكان قد صلى القبلتين - يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=823815 " عليكم بالسنى والسنوت ، فإن فيهما شفاء من كل داء إلا السام " . قيل : يا رسول الله ، وما السام ؟ قال : " الموت " .
قال
عمرو : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12356ابن أبي عبلة : " السنوت " : الشبت . وقال آخرون : بل هو العسل الذي [ يكون ] في زقاق السمن ، وهو قول الشاعر :
هم السمن بالسنوت لا ألس فيهم وهم يمنعون الجار أن يقردا
كذا رواه
ابن ماجه . وقوله : " لا ألس فيهم " أي : لا خلط . وقوله : " يمنعون الجار أن يقردا " [ أي يضطهد ويظلم ] .
وقوله : (
إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ) أي : إن في إلهام الله لهذه الدواب الضعيفة الخلقة إلى السلوك في هذه المهامة والاجتناء من سائر الثمار ، ثم جمعها للشمع والعسل ، وهو من أطيب
[ ص: 585 ] الأشياء ، (
لآية لقوم يتفكرون ) في عظمة خالقها ومقدرها ومسخرها وميسرها ، فيستدلون بذلك على أنه [ الفاعل ] القادر ، الحكيم العليم ، الكريم الرحيم .