(
ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون ( 93 )
ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ( 94 )
ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون ( 95 )
ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ( 96 ) )
يقول تعالى : (
ولو شاء الله لجعلكم ) أيها الناس (
أمة واحدة ) ، كما قال تعالى : (
ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا ) [ يونس : 99 ] أي : لوفق بينكم . ولما جعل اختلافا ولا تباغض ولا شحناء (
ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) [ هود : 118 ، 119 ] وهكذا قال هاهنا : (
ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ) ثم يسألكم يوم القيامة عن جميع أعمالكم ، فيجازيكم عليها على الفتيل والنقير والقطمير .
ثم حذر تعالى عباده عن
اتخاذ الأيمان دخلا أي خديعة ومكرا ؛ لئلا تزل قدم بعد ثبوتها : مثل لمن كان على الاستقامة فحاد عنها وزل عن طريق الهدى ، بسبب الأيمان الحانثة المشتملة على الصد عن سبيل الله ؛ لأن الكافر إذا رأى أن المؤمن قد عاهده ثم غدر به ، لم يبق له وثوق بالدين ، فانصد بسببه عن الدخول في الإسلام ; ولهذا قال : (
وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم )
ثم قال تعالى : (
ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا ) أي : لا تعتاضوا عن الإيمان بالله عرض الحياة الدنيا وزينتها ، فإنها قليلة ، ولو حيزت لابن آدم الدنيا بحذافيرها لكان ما عند الله هو خير له ، أي : جزاء الله وثوابه خير لمن رجاه وآمن به وطلبه ، وحفظ عهده رجاء موعوده ; ولهذا قال : (
إن كنتم تعلمون ما عندكم ينفد )
[ ص: 601 ] أي : يفرغ وينقضي ، فإنه - إلى أجل - معدود محصور مقدر متناه . (
وما عند الله باق ) أي : وثوابه لكم في الجنة باق لا انقطاع ولا نفاد له فإنه دائم لا يحول ولا يزول ، (
ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) قسم من الرب - عز وجل متلقى باللام - أنه يجازي الصابرين بأحسن أعمالهم ، أي : ويتجاوز عن سيئها .