)
وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ( 13 )
اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ( 14 ) )
يقول تعالى بعد ذكر الزمان وذكر ما يقع فيه من أعمال بني آدم : (
وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) وطائره : هو ما طار عنه من عمله ، كما قال
ابن عباس ومجاهد وغير واحد : من خير وشر ، يلزم به ويجازى عليه (
فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) [ الزلزلة : 5 ، 6 ] ، وقال تعالى : (
عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) [ ق : 17 ، 18 ] ،
[ ص: 51 ] وقال تعالى : (
وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ) [ الانفطار : 10 - 14 ] ، قال : (
إنما تجزون ما كنتم تعملون ) [ الطور : 16 ] وقال : (
من يعمل سوءا يجز به ) [ النساء : 123 ] .
والمقصود أن
عمل ابن آدم محفوظ عليه ، قليله وكثيره ، ويكتب عليه ليلا ونهارا ، صباحا ومساء .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : حدثنا
قتيبة ، حدثنا
ابن لهيعة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبى الزبير ، عن
جابر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821819 " لطائر كل إنسان في عنقه " . قال
ابن لهيعة : يعني الطيرة .
وهذا القول من
ابن لهيعة في تفسير هذا الحديث ، غريب جدا ، والله أعلم .
وقوله [ تعالى ] (
ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ) أي : نجمع له عمله كله في كتاب يعطاه يوم القيامة ، إما بيمينه إن كان سعيدا ، أو بشماله إن كان شقيا ) منشورا ) أي : مفتوحا يقرؤه هو وغيره ، فيه جميع عمله من أول عمره إلى آخره (
ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ) [ القيامة : 13 - 15 ] ؛ ولهذا قال تعالى : (
اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) أي : إنك تعلم أنك لم تظلم ولم يكتب عليك غير ما عملت ؛ لأنك ذكرت جميع ما كان منك ، ولا ينسى أحد شيئا مما كان منه ، وكل أحد يقرأ كتابه من كاتب وأمي .
وقوله [ تعالى ] (
ألزمناه طائره في عنقه ) إنما ذكر العنق ؛ لأنه عضو لا نظير له في الجسد ، ومن ألزم بشيء فيه فلا محيد له عنه ، كما قال الشاعر : .
اذهب بها اذهب بها طوقتها طوق الحمامة
قال
قتادة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
لا عدوى ولا طيرة وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه " . كذا رواه
ابن جرير .
وقد رواه الإمام
عبد بن حميد ، رحمه الله ، في مسنده متصلا فقال : حدثنا
الحسن بن موسى ، حدثنا
ابن لهيعة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11862أبي الزبير ، عن
جابر [ رضي الله عنه ] قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821820 " طير كل عبد في عنقه " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا
علي بن إسحاق ، حدثنا
عبد الله ، حدثنا
ابن لهيعة ، حدثني
يزيد : أن
أبا الخير حدثه : أنه سمع
عقبة بن عامر [ رضي الله عنه ] يحدث ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=821821 " ليس من عمل يوم إلا وهو يختم عليه ، فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة : يا ربنا ، عبدك فلان ، قد حبسته ؟ فيقول الرب جل جلاله : اختموا له على مثل عمله ، حتى يبرأ أو يموت " .
[ ص: 52 ]
إسناده جيد قوي ، ولم يخرجوه .
وقال
معمر ، عن
قتادة : (
ألزمناه طائره في عنقه ) قال : عمله . (
ونخرج له يوم القيامة ) قال : نخرج ذلك العمل (
كتابا يلقاه منشورا ) قال
معمر : وتلا
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري (
عن اليمين وعن الشمال قعيد ) [ ق : 17 ] يا ابن آدم ، بسطت لك صحيفتك ووكل بك ملكان كريمان ، أحدهما عن يمينك والآخر عن يسارك فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل ما شئت ، أقلل أو أكثر ، حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا (
اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) قد عدل - والله - عليك من جعلك حسيب نفسك .
هذا من حسن كلام
الحسن ، رحمه الله .