[ ص: 483 ] القول في تأويل قوله (
ولا يجرمنكم )
قال
أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "ولا يجرمنكم" ، ولا يحملنكم ، كما : -
10990 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
عبد الله بن صالح قال : حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي ، عن
ابن عباس قوله : "
ولا يجرمنكم شنآن قوم " ، يقول : لا يحملنكم شنآن قوم .
10991 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
ولا يجرمنكم شنآن قوم " ، أي : لا يحملنكم .
وأما أهل المعرفة باللغة فإنهم اختلفوا في تأويلها .
فقال بعض
البصريين : معنى قوله : "ولا يجرمنكم " ، لا يحقن لكم ، لأن قوله : (
لا جرم أن لهم النار ) [ سورة النحل : 62 ] ، هو : حق أن لهم النار .
وقال
بعض الكوفيين : معناه : لا يحملنكم . وقال : يقال : "جرمني فلان على أن صنعت كذا وكذا" ، أي : حملني عليه .
واحتج جميعهم ببيت الشاعر :
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
[ ص: 484 ]
فتأول ذلك كل فريق منهم على المعنى الذي تأوله من القرآن . فقال الذين قالوا : "لا يجرمنكم " ، لا يحقن لكم معنى قول الشاعر : "جرمت فزارة" ، أحقت الطعنة لفزارة الغضب .
وقال الذين قالوا : معناه : لا يحملنكم معناه في البيت : "جرمت فزارة أن يغضبوا" ، حملت فزارة على أن يغضبوا .
وقال آخر من
الكوفيين : معنى قوله : "لا يجرمنكم " ، لا يكسبنكم شنآن قوم .
وتأويل قائل هذا القول قول الشاعر في البيت : "جرمت
فزارة " ، كسبت
فزارة أن يغضبوا . قال : وسمعت العرب تقول : "فلان جريمة أهله" ، بمعنى : كاسبهم "وخرج يجرمهم" ، يكسبهم .
قال
أبو جعفر : وهذه الأقوال التي حكيناها عمن حكيناها عنه ، متقاربة المعنى . وذلك أن من حمل رجلا على بغض رجل ، فقد أكسبه بغضه . ومن أكسبه بغضه ، فقد أحقه له .
فإذا كان ذلك كذلك ، فالذي هو أحسن في الإبانة عن معنى الحرف ، ما قاله
ابن عباس وقتادة ، وذلك توجيههما معنى قوله : "ولا يجرمنكم شنآن قوم" ، ولا يحملنكم شنآن قوم على العدوان .
[ ص: 485 ]
واختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة الأمصار : ( ولا يجرمنكم ) بفتح"الياء" من : "جرمته أجرمه" .
وقرأ ذلك بعض قرأة
الكوفيين وهو
يحيى بن وثاب ، nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش : ما : -
10992 - حدثنا
ابن حميد nindex.php?page=showalam&ids=13631وابن وكيع قالا حدثنا
جرير ، عن
الأعمش أنه قرأ : ( ولا يجرمنكم ) مرتفعة"الياء" ، من : "أجرمته أجرمه ، وهو يجرمني" .
قال
أبو جعفر : والذي هو أولى بالصواب من القراءتين ، قراءة من قرأ ذلك : ( ولا يجرمنكم ) بفتح"الياء" ، لاستفاضة القراءة بذلك في قرأة الأمصار ، وشذوذ ما خالفها ، وأنها اللغة المعروفة السائرة في العرب ، وإن كان مسموعا من بعضها : "أجرم يجرم" على شذوذه . وقراءة القرآن بأفصح اللغات ، أولى وأحق منها بغير ذلك . ومن لغة من قال"جرمت" ، قول الشاعر :
يا أيها المشتكي عكلا وما جرمت إلى القبائل من قتل وإبآس