القول في
تأويل قوله تعالى : ( فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى ( 64 ) )
اختلفت القراء في قراءة قوله (
فأجمعوا كيدكم ) فقرأته عامة قراء
المدينة والكوفة (
فأجمعوا كيدكم ) بهمز الألف من ( فأجمعوا ) ، ووجهوا معنى ذلك إلى : فأحكموا كيدكم ، واعزموا عليه ، من قولهم : أجمع فلان الخروج ، وأجمع
[ ص: 333 ] على الخروج ، كما يقال : أزمع عليه ، ومنه قول الشاعر :
يا ليت شعري والمنى لا تنفع هل أغدون يوما وأمري مجمع
يعني بقوله : " مجمع " ; قد أحكم وعزم عليه ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=810654من لم يجمع على الصوم من الليل فلا صوم له " .
وقرأ ذلك بعض قراء
أهل البصرة : " فاجمعوا كيدكم " بوصل الألف ، وترك همزها ، من جمعت الشيء ، كأنه وجهه إلى معنى : فلا تدعوا من كيدكم شيئا إلا جئتم به . وكان بعض قارئي هذه القراءة يعتل فيما ذكر لي لقراءته ذلك كذلك بقوله (
فتولى فرعون فجمع كيده ) . .
قال
أبو جعفر : والصواب في قراءة ذلك عندنا همز الألف من أجمع ، لإجماع الحجة من القراء عليه ، وأن السحرة هم الذين كانوا به معروفين ، فلا وجه لأن يقال لهم : أجمعوا ما دعيتم له مما أنتم به عالمون ، لأن المرء إنما يجمع ما لم يكن عنده إلى ما عنده ، ولم يكن ذلك يوم تزيد في علمهم بما كانوا يعملونه من السحر ، بل كان يوم إظهاره ، أو كان متفرقا مما هو عنده ، بعضه إلى بعض ، ولم يكن السحر متفرقا عندهم فيجمعونه ، وأما قوله (
فجمع كيده ) فغير شبيه المعنى بقوله (
فأجمعوا كيدكم ) وذلك أن
فرعون كان هو الذي يجمع ويحتفل بما يغلب به
موسى مما لم يكن عنده مجتمعا حاضرا ، فقيل : فتولى
فرعون فجمع كيده .
[ ص: 334 ] وقوله (
ثم ائتوا صفا ) يقول : احضروا وجيئوا صفا ، والصف هاهنا مصدر ، ولذلك وحد ، ومعناه : ثم ائتوا صفوفا ، وللصف في كلام العرب موضع آخر ، وهو قول العرب : أتيت الصف اليوم ، يعني به المصلى الذي يصلي فيه .
وقوله (
وقد أفلح اليوم من استعلى ) يقول : قد ظفر بحاجته اليوم من علا على صاحبه فقهره .
كما حدثنا
ابن حميد قال : ثنا
سلمة عن
ابن إسحاق قال : حدثت عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه قال : جمع
فرعون الناس لذلك الجمع ، ثم أمر السحرة فقال (
ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى ) أي قد أفلح من أفلج اليوم على صاحبه .