القول في تأويل قوله تعالى : (
ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ( 14 ) )
يقول - تعالى ذكره - : وأمرنا الإنسان ببر والديه (
حملته أمه وهنا على وهن )
[ ص: 137 ] يقول : ضعفا على ضعف ، وشدة على شدة ، ومنه قول
زهير :
فلن يقولوا بحبل واهن خلق لو كان قومك في أسبابه هلكوا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، غير أنهم اختلفوا في المعني بذلك ، فقال بعضهم : عنى به الحمل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : (
ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن ) يقول : شدة بعد شدة ، وخلقا بعد خلق .
حدثت عن
الحسين قال : سمعت
أبا معاذ يقول : أخبرنا
عبيد قال : سمعت
الضحاك يقول في قوله : (
وهنا على وهن ) يقول : ضعفا على ضعف .
حدثنا
بشر قال : ثنا
يزيد قال : ثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : (
حملته أمه وهنا على وهن ) أي جهدا على جهد .
وقال آخرون : بل عنى به : وهن الولد وضعفه على ضعف الأم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو قال : ثنا
أبو عاصم قال : ثنا
عيسى ، وحدثني
الحارث قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد (
وهنا على وهن ) قال : وهن الولد على وهن الوالدة وضعفها .
وقوله : (
وفصاله في عامين ) يقول : وفطامه في انقضاء عامين . وقيل :
[ ص: 138 ] (
وفصاله في عامين ) وترك ذكر " انقضاء " اكتفاء بدلالة الكلام عليه كما قيل : (
واسأل القرية التي كنا فيها ) يراد به : أهل القرية .
وقوله : (
أن اشكر لي ولوالديك ) يقول : وعهدنا إليه أن اشكر لي على نعمي عليك ، ولوالديك تربيتهما إياك ، وعلاجهما فيك ما عالجا من المشقة حتى استحكم قواك . وقوله : ( إلي المصير ) يقول : إلى الله مصيرك - أيها الإنسان - وهو سائلك عما كان من شكرك له على نعمه عليك ، وعما كان من شكرك لوالديك ، وبرك بهما على ما لقيا منك من العناء والمشقة في حال طفوليتك وصباك ، وما اصطنعا إليك في برهما بك ، وتحننهما عليك .
وذكر أن هذه الآية نزلت في شأن
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص وأمه .
ذكر الرواية الواردة في ذلك :
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17259هناد بن السري قال : ثنا
أبو الأحوص ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب ، عن
مصعب بن سعد قال : حلفت
أم سعد أن لا تأكل ولا تشرب ، حتى يتحول
سعد عن دينه ، قال : فأبى عليها ، فلم تزل كذلك حتى غشي عليها ، قال : فأتاها بنوها فسقوها ، قال : فلما أفاقت دعت الله عليه ، فنزلت هذه الآية (
ووصينا الإنسان بوالديه ) إلى قوله : (
في الدنيا معروفا ) .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
محمد بن جعفر قال : ثنا
شعبة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب ، عن
مصعب بن سعد ، عن أبيه ، قال : قالت
أم سعد لسعد : أليس الله قد أمر بالبر ، فوالله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر ، قال : فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها بعصا ، ثم أوجروها ، فنزلت هذه الآية (
ووصينا الإنسان بوالديه ) .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
عبد الأعلى قال : ثنا
داود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن مالك : نزلت في (
وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ) قال : لما أسلمت ، حلفت أمي لا تأكل طعاما ولا تشرب شرابا . قال : فناشدتها أول يوم ، فأبت وصبرت ، فلما كان اليوم الثاني ناشدتها ، فأبت ، فلما كان اليوم الثالث ناشدتها فأبت . فقلت : والله لو كانت لك مائة نفس لخرجت قبل أن أدع ديني هذا ، فلما رأت ذلك ،
[ ص: 139 ] وعرفت أني لست فاعلا أكلت .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166ابن المثنى قال : ثنا
محمد بن جعفر قال : ثنا
شعبة ، عن
أبي إسحاق قال : سمعت
أبا هبيرة يقول : قال نزلت هذه الآية في
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص (
وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما ) الآية .