[ ص: 129 ] القول في تأويل قوله تعالى : (
تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين ( 25 ) )
وقوله (
تدمر كل شيء بأمر ربها ) : يقول - تعالى ذكره - : تخرب كل شيء ، وترمي بعضه على بعض فتهلكه ، كما قال
جرير وكان لكم كبكر ثمود لما رغا ظهرا فدمرهم دمارا
يعني بقوله : دمرهم : ألقى بعضهم على بعض صرعى هلكى .
وإنما عنى بقوله (
تدمر كل شيء بأمر ربها ) مما أرسلت بهلاكه ؛ لأنها لم تدمر
هودا ومن كان آمن به .
حدثنا
أبو كريب قال : ثنا
طلق ، عن
زائدة ، عن
الأعمش ، عن
المنهال ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : ما أرسل الله على عاد من الريح إلا قدر خاتمي هذا ، فنزع خاتمه .
وقوله (
فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ) يقول : فأصبح
قوم هود وقد هلكوا وفنوا ، فلا يرى في بلادهم شيء إلا مساكنهم التي كانوا يسكنونها .
واختلفت القراء في قراءة قوله (
فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ) فقرأ ذلك عامة
قراء المدينة والبصرة (
لا ترى إلا مساكنهم ) بالتاء نصبا ، بمعنى : فأصبحوا لا ترى أنت يا
محمد إلا مساكنهم وقرأ ذلك عامة
قراء الكوفة (
لا يرى إلا مساكنهم ) بالياء في ( يرى ) ، ورفع المساكن ، بمعنى : ما وصفت قبل أنه لا
[ ص: 130 ] يرى في بلادهم شيء إلا مساكنهم .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ( لا ترى ) بالتاء ، وبأي القراءتين اللتين ذكرت من قراءة أهل
المدينة والكوفة قرأ ذلك القارئ فمصيب وهو القراءة برفع المساكن إذا قرئ قوله ( يرى ) بالياء وضمها وبنصب المساكن إذا قرئ قوله : " ترى" بالتاء وفتحها ، وأما التي حكيت عن
الحسن ، فهي قبيحة في العربية وإن كانت جائزة ، وإنما قبحت لأن العرب تذكر الأفعال التي قبل إلا وإن كانت الأسماء التي بعدها أسماء إناث ، فتقول : ما قام إلا أختك ، ما جاءني إلا جاريتك ، ولا يكادون يقولون : ما جاءتني إلا جاريتك ، وذلك أن المحذوف قبل إلا أحد ، أو شيء ، وأحد ، وشيء يذكر فعلهما العرب ، وإن عني بهما المؤنث ، فتقول : إن جاءك منهن أحد فأكرمه ، ولا يقولون : إن جاءتك ، وكان
الفراء يجيزها على الاستكراه ، ويذكر أن
المفضل أنشده :
ونارنا لم تر نارا مثلها قد علمت ذاك معد أكرما
فأنث فعل مثل ؛ لأنه للنار ، قال : وأجود الكلام أن تقول : ما رئي مثلها .
وقوله (
كذلك نجزي القوم المجرمين ) يقول - تعالى ذكره - : كما جزينا
عادا بكفرهم بالله من العقاب في عاجل الدنيا ، فأهلكناهم بعذابنا ، كذلك نجزي القوم الكافرين بالله من خلقنا ، إذ تمادوا في غيهم وطغوا على ربهم .