(
الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ( 197 )
ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين ( 198 ) )
قوله تعالى : ( الحج أشهر معلومات ) أي
وقت الحج أشهر معلومات وهي شوال وذو القعدة وتسع من ذي الحجة إلى طلوع الفجر من يوم النحر ويروى عن
ابن عمر شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة وكل واحد من اللفظين صحيح غير مختلف فمن قال عشر عبر به عن الليالي ومن قال تسع عبر به عن الأيام فإن آخر أيامها يوم عرفة وهو يوم التاسع وإنما قال أشهر بلفظ الجمع وهي شهران وبعض الثالث لأنها وقت والعرب تسمي الوقت تاما بقليله وكثيره فتقول العرب أتيتك يوم الخميس وإنما أتاه في ساعة منه ويقول زرتك العام وإنما زاره في بعضه وقيل الاثنان فما فوقهما جماعة لأن معنى الجمع ضم الشيء إلى الشيء فإذا جاز أن يسمى الاثنان جماعة جاز أن يسمى الاثنان وبعض الثالث جماعة وقد ذكر الله تعالى الاثنين بلفظ الجمع فقال "
فقد صغت قلوبكما " ( 4 - التحريم ) أي قلباكما وقال
عروة بن الزبير وغيره أراد بالأشهر شوالا وذا القعدة وذا الحجة كملا لأنه يبقى على الحاج أمور بعد
عرفة يجب عليه فعلها مثل الرمي والذبح ، والحلق وطواف الزيارة والبيتوتة
بمنى فكانت في حكم الجمع (
فمن فرض فيهن الحج ) أي فمن أوجب على نفسه
[ ص: 226 ] الحج بالإحرام والتلبية وفيه دليل على أن من
أحرم بالحج في غير أشهر الحج لا ينعقد إحرامه بالحج وهو قول
ابن عباس وجابر وبه قال
عطاء وطاووس ومجاهد وإليه ذهب
الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وقال ينعقد إحرامه بالعمرة لأن الله تعالى خص هذه الأشهر بغرض الحج فيها فلو انعقد في غيرها لم يكن لهذا التخصيص فائدة كما أنه علق الصلوات بالمواقيت ثم من
أحرم بفرض الصلاة قبل دخول وقته لا ينعقد إحرامه عن الفرض وذهب جماعة إلى أنه ينعقد إحرامه بالحج وهو قول
مالك nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة رضي الله عنهم وأما
العمرة : فجميع أيام السنة لها إلا أن يكون متلبسا بالحج وروي عن
أنس أنه كان
بمكة فكان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر .
قوله تعالى : (
فلا رفث ولا فسوق ) قرأ
ابن كثير وأهل البصرة ) فلا رفث ولا فسوق بالرفع والتنوين فيهما وقرأ الآخرون بالنصب من غير تنوين كقوله تعالى (
ولا جدال في الحج ) وقرأ
أبو جعفر كلها بالرفع والتنوين واختلفوا في الرفث قال
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر هو الجماع وهو قول
الحسن ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار وقتادة وعكرمة والربيع nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي ، وقال
علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس : الرفث غشيان النساء والتقبيل ، والغمز وأن يعرض لها بالفحش من الكلام قال
حصين بن قيس أخذ
ابن عباس رضي الله عنه بذنب بعيره فجعل يلويه وهو يحدو ويقول
وهن يمشين بنا هميسا إن تصدق الطير ننك لميسا
فقلت له أترفث وأنت محرم ؟ فقال إنما الرفث ما قيل عند النساء قال
طاووس : الرفث التعريض للنساء بالجماع وذكره بين أيديهن وقال
عطاء : الرفث قول الرجل للمرأة في حال الإحرام إذا حللت أصبتك وقيل الرفث الفحش والقول القبيح أما الفسوق قال
ابن عباس : هو المعاصي كلها وهو قول
طاووس والحسن nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري والربيع والقرظي وقال
ابن عمر : هو
ما نهي عنه المحرم في حال [ ص: 227 ] الإحرام من قتل الصيد وتقليم الأظافر وأخذ الأشعار وما أشبههما وقال
إبراهيم nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ومجاهد هو السباب بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502228سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر " وقال
الضحاك هو التنابز بالألقاب بدليل قوله تعالى : "
ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان " ( 11 - الحجرات ) .
أخبرنا
عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا
أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا
محمد بن يوسف أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل أخبرنا
آدم أخبرنا
سيار أبو الحكم قال سمعت
أبا حازم يقول سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502229من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه " .
قوله تعالى (
ولا جدال في الحج ) قال
ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس : الجدال أن يماري صاحبه ويخاصمه حتى يغضبه وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء وقتادة وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد : هو أن يقول بعضهم الحج اليوم ويقول بعضهم الحج غدا وقال
القرظي : كانت
قريش إذا اجتمعت
بمنى قال هؤلاء حجنا أتم من حجكم وقال هؤلاء حجنا أتم من حجكم وقال
مقاتل : هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم في حجة الوداع وقد أحرموا بالحج
" اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي قالوا كيف نجعله عمرة وقد سمينا الحج فهذا جدالهم وقال
ابن زيد : كانوا يقفون مواقف مختلفة كلهم يزعم أن موقفه موقف
إبراهيم يتجادلون فيه وقيل هو ما كان عليه أهل الجاهلية كان بعضهم يقف
بعرفة وبعضهم
بالمزدلفة وكان بعضهم يحج في ذي القعدة وكان بعضهم يحج في ذي الحجة فكل يقول ما فعلته فهو الصواب فقال جل ذكره (
ولا جدال في الحج ) أي استقر أمر الحج على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا اختلاف فيه من بعد وذلك معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502231ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض " قال
مجاهد : معناه ولا شك في الحج أنه في ذي الحجة فأبطل النسيء قال أهل المعاني ظاهر الآية نفي ومعناها نهي أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا كقوله
[ ص: 228 ] تعالى "
لا ريب فيه " أي لا ترتابوا "
وما تفعلوا من خير يعلمه الله " أي لا يخفى عليه فيجازيكم به
قوله تعالى : (
وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) نزلت في ناس من
أهل اليمن كانوا يخرجون إلى الحج بغير زاد ويقولون نحن متوكلون ويقولون نحن نحج بيت الله فلا يطعمنا فإذا قدموا
مكة سألوا الناس وربما يفضي بهم الحال إلى النهب ، والغصب فقال الله عز وجل ) ( وتزودوا ) أي ما تتبلغون به وتكفون به وجوهكم قال أهل التفسير الكعك والزبيب والسويق ، والتمر ونحوها (
فإن خير الزاد التقوى ) من السؤال والنهب (
واتقون يا أولي الألباب ) يا ذوي العقول
قوله تعالى : (
ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) أخبرنا
عبد الواحد بن أحمد المليحي أخبرنا
أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا
محمد بن يوسف أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل أخبرنا
علي بن عبد الله أخبرنا
سفيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار ، عن
ابن عباس رضي الله عنهما قال كانت
عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها فأنزل الله تعالى (
ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم ) في مواسم الحج قرأ
ابن عباس كذا ، وروي
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502232عن أبي أمامة التيمي قال قلت nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر : إنا قوم نكري في هذا الوجه يعني إلى مكة فيزعمون أن لا حج لنا فقال ألستم تحرمون كما يحرمون وتطوفون كما يطوفون وترمون كما يرمون قلت بلى قال أنت حاج جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الذي سألتني عنه فلم يجبه بشيء حتى نزل جبريل بهذه الآية ( ليس عليكم جناح ) أي حرج (
أن تبتغوا فضلا ) أي رزقا (
من ربكم ) يعني بالتجارة في مواسم الحج (
فإذا أفضتم ) دفعتم والإفاضة دفع بكثرة وأصله من قول العرب أفاض الرجل ماء أي صبه (
من عرفات ) هي جمع عرفة جمع بما حولها وإن كانت بقعة واحدة كقولهم ثوب أخلاق
واختلفوا في المعنى الذي لأجله سمي الموقف
عرفات واليوم
عرفة فقال
عطاء : كان
جبريل عليه السلام يري
إبراهيم عليه السلام المناسك ويقول عرفت فيقول : عرفت فسمي ذلك المكان
عرفات واليوم
عرفة وقال
الضحاك : إن
آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض وقع
بالهند وحواء بجدة فجعل كل واحد منهما يطلب صاحبه فاجتمعا
بعرفات يوم عرفة وتعارفا فسمي اليوم يوم عرفة والموضع
عرفات وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي لما أذن
إبراهيم في الناس بالحج وأجابوه بالتلبية وأتاه من أتاه أمره الله أن يخرج إلى
عرفات ونعتها له ، فخرج فلما بلغ الجمرة عند
العقبة استقبله الشيطان ليرده فرماه بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة فطار فوقع على الجمرة الثانية فرماه وكبر ، فطار فوقع على الجمرة الثالثة فرماه ، وكبر فلما رأى الشيطان أنه لا يطيعه ذهب فانطلق
إبراهيم حتى أتى
ذا المجاز فلما نظر إليه لم يعرفه فجاز فسمي
ذا المجاز ثم انطلق حتى وقف
بعرفات فعرفها بالنعت فسمي الوقت عرفة والموضع
عرفات حتى إذا أمسى ازدلف إلى
جمع [ ص: 229 ] أي قرب إلى
جمع فسمي
المزدلفة .
وروي عن
أبي صالح عن
ابن عباس رضي الله عنه أن
إبراهيم عليه السلام رأى ليلة التروية في منامه أنه يؤمر بذبح ابنه فلما أصبح روى يومه أجمع أي فكر أمن الله تعالى هذه الرؤيا أم من الشيطان فسمي اليوم يوم التروية ، ثم رأى ذلك ليلة عرفة ثانيا فلما أصبح عرف أن ذلك من الله تعالى فسمي اليوم يوم عرفة وقيل سمي بذلك لأن الناس يعترفون في ذلك اليوم بذنوبهم وقيل سمي بذلك من العرف وهو الطيب وسمي
منى لأنه يمنى فيه الدم أي يصب فيكون فيه الفروث والدماء ولا يكون الموضع طيبا
وعرفات طاهرة عنها فتكون طيبة
قوله تعالى : (
فاذكروا الله )
بالدعاء والتلبية (
عند المشعر الحرام ) ما بين جبلي
المزدلفة من مأزمي
عرفة إلى
المحسر وليس
المأزمان ولا
المحسر من المشعر وسمي مشعرا من الشعار وهي العلامة لأنه من معالم الحج وأصل الحرام من المنع فهو ممنوع أن يفعل فيه ما لم يؤذن فيه وسمي
المزدلفة جمعا لأنه يجمع فيه بين صلاتي العشاء والإفاضة من
عرفات تكون بعد غروب الشمس ومن
جمع قبل طلوعها من يوم النحر
قال
طاووس كان أهل الجاهلية يدفعون من
عرفة قبل أن تغيب الشمس ومن
مزدلفة بعد أن تطلع الشمس ويقولون أشرق ثبير كيما نغير فأخر الله هذه وقدم هذه
أخبرنا
أبو الحسن السرخسي أخبرنا
زاهر بن أحمد أخبرنا
أبو إسحاق الهاشمي أخبرنا
أبو مصعب عن
مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة عن
كريب مولى
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس عن
أسامة بن زيد أنه سمعه يقول : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502233دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة حتى إذا كان بالشعب نزل فبال ثم توضأ فلم يسبغ الوضوء فقلت له الصلاة يا رسول الله قال فقال الصلاة أمامك فركب فلما جاء المزدلفة نزل فتوضأ فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت العشاء فصلاها ولم يصل بينهما شيئا " .
وقال
جابر : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502234دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ، ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس " .
[ ص: 230 ]
أخبرنا
عبد الواحد المليحي أخبرنا
أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا
محمد بن يوسف أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=12070محمد بن إسماعيل أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=11997زهير بن حرب أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=17282وهب بن جرير أخبرنا أبي عن
يونس الأيلي عن
الزهري عن
عبيد الله بن عبد الله عن
ابن عباس رضي الله عنهما
nindex.php?page=hadith&LINKID=3502235أن أسامة بن زيد كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة ثم أردف الفضل من مزدلفة إلى منى قال فكلاهما قال لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة " .
قوله تعالى : (
واذكروه كما هداكم ) أي واذكروه بالتوحيد والتعظيم كما ذكركم بالهداية فهداكم لدينه ومناسك حجه (
وإن كنتم من قبله لمن الضالين ) أي وقد كنتم وقيل وما كنتم من قبله إلا من الضالين كقوله تعالى : "
وإن نظنك لمن الكاذبين " ( 186 - الشعراء ) أي وما نظنك إلا من الكاذبين والهاء في قوله من قبله راجعة إلى الهدى ، وقيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كناية عن غير مذكور .