[ ص: 265 ] (
إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى ( 10 )
فلما أتاها نودي يا موسى ( 11 ) )
(
إذ رأى نارا ) وذلك أن
موسى استأذن
شعيبا في الرجوع من
مدين إلى
مصر لزيارة والدته وأخته ، فأذن له فخرج بأهله وماله ، وكانت أيام الشتاء ، وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك
الشام ، وامرأته في سقمها ، لا تدري أليلا أم نهارا . فسار في البرية غير عارف بطرقها ، فألجأه المسير إلى جانب
الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد ، وأخذ امرأته الطلق ، فقدح زنده فلم يوره .
وقيل : إن
موسى كان رجلا غيورا فكان يصحب الرفقة بالليل ويفارقهم بالنهار ، لئلا ترى امرأته ، فأخطأ مرة الطريق في ليلة مظلمة شاتية ، لما أراد الله عز وجل من كرامته ، فجعل يقدح الزند فلا يوري ، فأبصر نارا من بعيد عن يسار الطريق من جانب
الطور ، (
فقال لأهله امكثوا ) أقيموا ، قرأ
حمزة بضم الهاء هاهنا وفي القصص ، (
إني آنست ) أي : أبصرت ، (
نارا لعلي آتيكم منها بقبس ) شعلة من نار ، والقبس : قطعة من النار تأخذها في طرف عمود من معظم النار ، (
أو أجد على النار هدى ) أي : أجد عند النار من يدلني على الطريق . ( فلما أتاها ) رأى شجرة خضراء من أسفلها [ إلى أعلاها ، أطافت بها نار بيضاء تتقد كأضوء ما يكون ، فلا ضوء النار يغير ] خضرة الشجرة ، ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار .
قال
ابن مسعود : كانت الشجرة سمرة خضراء .
وقال
قتادة ،
ومقاتل ،
والكلبي : كانت من العوسج .
وقال
وهب : كانت من العليق .
وقيل : كانت شجرة العناب ، روي ذلك عن
ابن عباس رضي الله عنهما .
قال أهل التفسير : لم يكن الذي رآه
موسى نارا بل كان نورا ، ذكر بلفظ النار لأن
موسى حسبه نارا .
وقال أكثر المفسرين : إنه نور الرب عز وجل ، وهو قول
ابن عباس ،
وعكرمة ، وغيرهما .
[ ص: 266 ]
وقال
سعيد بن جبير : هي النار بعينها ، وهي إحدى حجب الله تعالى . يدل عليه : ما روينا عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=815280حجابه النار ، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " .
وفي القصة أن
موسى أخذ شيئا من الحشيش اليابس وقصد الشجرة وكان كلما دنا نأت منه النار ، وإذا نأى دنت ، فوقف متحيرا ، وسمع تسبيح الملائكة ، وألقيت عليه السكينة .