(
فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى ( 16 )
وما تلك بيمينك يا موسى ( 17 )
قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ( 18 ) )
(
فلا يصدنك عنها ) فلا يصرفنك عن الإيمان بالساعة ، (
من لا يؤمن بها واتبع هواه ) مراده خالف أمر الله (
فتردى ) أي : فتهلك . قوله عز وجل : (
وما تلك بيمينك يا موسى ) سؤال تقرير ، والحكمة في هذا السؤال : تنبيهه وتوقيفه على أنها عصا حتى إذا قلبها حية علم أنه معجزة عظيمة . وهذا على عادة العرب ، يقول الرجل لغيره : هل تعرف هذا؟ وهو لا يشك أنه يعرفه ، ويريد أن ينضم إقراره بلسانه إلى معرفته بقلبه . (
قال هي عصاي ) قيل : وكانت لها شعبتان ، وفي أسفلها سنان ، ولها محجن . قال
مقاتل : اسمها نبعة .
(
أتوكأ عليها ) أعتمد عليها إذا مشيت وإذا أعييت وعند الوثبة ، (
وأهش بها على غنمي ) أضرب بها الشجرة اليابسة ليسقط ورقها فترعاه الغنم .
وقرأ
عكرمة " وأهس " بالسين غير المعجمة ، أي : أزجر بها الغنم ، و " الهس " : زجر الغنم .
(
ولي فيها مآرب أخرى ) حاجات ومنافع أخرى ، جمع " مأربة " بفتح الراء وضمها ، ولم يقل : " أخر " لرءوس الآي . وأراد بالمآرب : ما يستعمل فيه العصا في السفر ، وكان يحمل بها الزاد ، ويشد بها الحبل فيستقي الماء من البئر ، ويقتل بها الحيات ، ويحارب بها السباع ، ويستظل بها إذا قعد
[ ص: 269 ] وغير ذلك .
وروي عن
ابن عباس : أن
موسى كان يحمل عليها زاده وسقاءه ، فجعلت تماشيه وتحدثه ، وكان يضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل يومه ، ويركزها فيخرج الماء ، فإذا رفعها ذهب الماء ، وإذا اشتهى ثمرة ركزها فتغصنت غصن الشجرة وأورقت وأثمرت ، وإذا أراد الاستقاء من البئر أدلاها فطالت على طول البئر وصارت شعبتاها كالدلو حتى يستقي ، وكانت تضيء بالليل بمنزلة السراج ، وإذا ظهر له عدو كانت تحارب وتناضل عنه .