[ ص: 144 ] (
وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ( 6 )
إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون ( 7 )
فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين ( 8 ) )
(
وإنك لتلقى القرآن ) أي : تؤتى القرآن وتلقن (
من لدن حكيم عليم ) أي : وحيا من عند الله الحكيم العليم . قوله - عز وجل - : (
إذ قال موسى لأهله ) أي : واذكر يا
محمد إذ قال
موسى لأهله في مسيره من
مدين إلى
مصر : (
إني آنست نارا ) أي : أبصرت نارا . (
سآتيكم منها بخبر ) أي : امكثوا مكانكم ، سآتيكم بخبر عن الطريق ، وكان قد ترك الطريق (
أو آتيكم بشهاب قبس ) قرأ أهل
الكوفة : " بشهاب " بالتنوين ، جعلوا القبس نعتا للشهاب ، وقرأ الآخرون بلا تنوين على الإضافة ، وهو إضافة الشيء إلى نفسه ، لأن الشهاب والقبس متقاربان في المعنى ، وهو العود الذي في أحد طرفيه نار ، وليس في الطرف الآخر نار . وقال بعضهم : الشهاب هو شيء ذو نور ، مثل العمود ، والعرب تسمي كل أبيض ذي نور شهابا ، والقبس : القطعة من النار ) ( لعلكم تصطلون ) تستدفئون من البرد ، وكان ذلك في شدة الشتاء . (
فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها ) أي : بورك على من في النار أو من في النار ، والعرب تقول : باركه الله وبارك فيه ، وبارك عليه ، بمعنى واحد . وقال قوم : البركة راجعة إلى
موسى والملائكة ، معناه : بورك في من طلب النار ، وهو
موسى عليه السلام ) ( ومن حولها ) وهم الملائكة الذين حول النار ، ومعناه : بورك فيك يا
موسى وفي الملائكة الذين حول النار ، وهذا تحية من عند الله - عز وجل -
لموسى بالبركة ، كما حيا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه فقالوا : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت . ومذهب أكثر المفسرين أن المراد بالنار النور ، ذكر بلفظ النار لأن
موسى حسبه نارا ، و " من في النار " هم الملائكة ، وذلك أن النور الذي رآه
موسى كان فيه ملائكة لهم زجل بالتقديس والتسبيح ،
[ ص: 145 ] و " من حولها " هو
موسى لأنه كان بالقرب منها ، ولم يكن فيها . وقيل : " من في النار ومن حولها " جميعا الملائكة . وقيل : " من في النار "
موسى و " من حولها " الملائكة ،
وموسى وإن لم يكن في النار كان قريبا منها ، كما يقال : بلغ فلان المنزل ، إذا قرب منه ، وإن لم يبلغه بعد . وذهب بعضهم إلى أن البركة راجعة إلى النار . وروى
مجاهد عن
ابن عباس أنه قال : معناه بوركت النار . وروى
سعيد بن جبير عن
ابن عباس قال : سمعت أبيا يقرأ : أن بوركت النار ومن حولها ، و " من " قد تأتي بمعنى ما ، كقوله تعالى :
فمنهم من يمشي على بطنه ( النور - 45 ) ، و " ما " قد يكون صلة في الكلام ، كقوله " جند ما هنالك " ( ص - 11 ) ، ومعناه : بورك في النار وفيمن حولها ، وهم الملائكة
وموسى عليهم السلام ، وسمى النار مباركة كما سمى البقعة مباركة فقال : " في البقعة المباركة " .
وروي عن
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير والحسن في قوله : (
بورك من في النار ) يعني قدس من في النار ، وهو الله ، عنى به نفسه ، على معنى أنه نادى
موسى منها وأسمعه كلامه من جهتها كما روي : أنه مكتوب في التوراة : " جاء الله من
سيناء ، وأشرف من ساعين ، واستعلى من
جبال فاران " فمجيئه من
سيناء : بعثة
موسى منها ، ومن ساعين بعثة
المسيح منها ، ومن
جبال فاران بعثة المصطفى منها ، وفاران
مكة . قيل : كان ذلك نوره - عز وجل - . قال
سعيد بن جبير : كانت النار بعينها ، والنار إحدى حجب الله تعالى ، كما جاء في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=815280 " حجابه النار لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه " ثم نزه الله نفسه وهو المنزه من كل سوء وعيب ، فقال جل ذكره . (
وسبحان الله رب العالمين )