[ ص: 190 ] (
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ( 5 ) (
ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ( 6 )
وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ( 7 ) )
(
ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ) يعني : بني إسرائيل ، (
ونجعلهم أئمة ) قادة في الخير يقتدى بهم . وقال
قتادة : ولاة وملوكا ، دليله : قوله - عز وجل - : "
وجعلكم ملوكا " ( المائدة - 20 ) . وقال
مجاهد : دعاة إلى الخير . (
ونجعلهم الوارثين ) يعني : أملاك
فرعون وقومه يخلفونهم في مساكنهم .
(
ونمكن لهم في الأرض ) نوطن لهم في أرض
مصر والشام ، ونجعلها لهم مكانا يستقرون فيه ، (
ونري فرعون وهامان وجنودهما ) قرأ
الأعمش ، وحمزة ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : " ويرى " بالياء وفتحها ، (
فرعون وهامان وجنودهما ) مرفوعات على أن الفعل لهم ، وقرأ الآخرون بالنون وضمها ، وكسر الراء ، ونصب الياء ونصب ما بعده بوقوع الفعل عليه ، (
منهم ما كانوا يحذرون ) والحذر هو التوقي من الضرر ، وذلك أنهم أخبروا أن هلاكهم على يد رجل من بني إسرائيل فكانوا على وجل منه ، فأراهم الله ما كانوا يحذرون .
(
وأوحينا إلى أم موسى ) وحي إلهام لا وحي نبوة ، قال
قتادة : قذفنا في قلبها ،
وأم موسى يوخابذ بنت لاوي بن يعقوب ، ( أن أرضعيه ) واختلفوا في
مدة الرضاع ، قيل : ثمانية أشهر . وقيل : أربعة أشهر . وقيل : ثلاثة أشهر كانت ترضعه في حجرها ، وهو لا يبكي ولا يتحرك ، ( فإذا خفت عليه ) يعني : من الذبح ، ( فألقيه في اليم ) واليم : البحر ، وأراد هاهنا النيل ، ( ولا تخافي ) قيل : لا تخافي عليه من الغرق ، وقيل : من الضيعة ، ( ولا تحزني ) على فراقه ، (
إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) روى
عطاء عن
الضحاك عن
ابن عباس - رضي الله عنهما - قال .
[ ص: 191 ] إن بني إسرائيل لما كثروا
بمصر ، استطالوا على الناس ، وعملوا بالمعاصي ، ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ، فسلط الله عليهم القبط فاستضعفوهم إلى أن أنجاهم على يد نبيه . وقال
ابن عباس - رضي الله عنهما - : إن
أم موسى لما تقاربت ولادتها ، وكانت قابلة من القوابل التي وكلهن
فرعون بحبالى بني إسرائيل مصافية
لأم موسى ، فلما ضرب بها الطلق أرسلت إليها فقالت : قد نزل بي ما نزل ، فلينفعني حبك إياي اليوم ، قالت : فعالجت قبالتها ، فلما أن وقع
موسى بالأرض هالها نور بين عيني
موسى ، فارتعش كل مفصل منها ، ودخل حب
موسى قلبها . ثم قالت لها : يا هذا ما جئت إليك حين دعوتني إلا ومن رأيي قتل مولودك ، ولكن وجدت لابنك هذا حبا ما وجدت حب شيء مثل حبه ، فاحفظي ابنك فإني أراه هو عدونا ، فلما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون ، فجاءوا إلى بابها ليدخلوا على
أم موسى ، فقالت أخته يا أماه هذا الحرس بالباب ، فلفت
موسى في خرقة ، فوضعته في التنور وهو مسجور ، وطاش عقلها ، فلم تعقل ما تصنع .
قال : فدخلوا فإذا التنور مسجور ، ورأوا
أم موسى لم يتغير لها لون ولم يظهر لها لبن ، فقالوا لها : ما أدخل عليك القابلة ؟ قالت : هي مصافية لي فدخلت علي زائرة ، فخرجوا من عندها ، فرجع إليها عقلها فقالت لأخت
موسى : فأين الصبي ؟ قالت لا أدري ، فسمعت بكاء الصبي من التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله - سبحانه وتعالى - النار عليه بردا وسلاما ، فاحتملته . قال : ثم إن
أم موسى لما رأت إلحاح
فرعون في طلب الولدان خافت على ابنها ، فقذف الله في نفسها أن تتخذ له تابوتا ثم تقذف التابوت في اليم وهو
النيل ، فانطلقت إلى رجل نجار من قوم
فرعون فاشترت منه تابوتا صغيرا ، فقال لها النجار : ما تصنعين بهذا التابوت ؟ قالت : ابن لي أخبئه في التابوت ، وكرهت الكذب . قال ولم تقل : أخشى عليه كيد
فرعون ، فلما اشترت التابوت وحملته وانطلقت به انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر
أم موسى ، فلما هم بالكلام أمسك الله لسانه فلم يطق الكلام ، وجعل يشير بيده فلم يدر الأمناء ما يقول . فلما أعياهم أمره قال كبيرهم : اضربوه فضربوه وأخرجوه ، فلما انتهى النجار إلى موضعه رد الله عليه لسانه فتكلم ، فانطلق - أيضا - يريد الأمناء فأتاهم ليخبرهم فأخذ الله لسانه وبصره فلم يطق الكلام ولم يبصر شيئا ، فضربوه وأخرجوه ، فوقع في واد يهوي فيه حيران ، فجعل الله عليه إن رد لسانه وبصره أن لا يدل عليه وأن يكون معه يحفظه حيث ما كان ، فعرف الله منه الصدق فرد عليه لسانه وبصره فخر لله
[ ص: 192 ] ساجدا ، فقال : يا رب دلني على هذا العبد الصالح ، فدله الله عليه ، فخرج من الوادي فآمن به وصدقه ، وعلم أن ذلك من الله - عز وجل - . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه : لما حملت
أم موسى بموسى كتمت أمرها جميع الناس ، فلم يطلع على حبلها أحد من خلق الله ، وذلك شيء ستره الله لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل ، فلما كانت السنة التي يولد فيها بعث
فرعون القوابل وتقدم إليهن ففتشن النساء تفتيشا لم يفتشن قبل ذلك مثله . وحملت
أم موسى بموسى فلم ينتأ بطنها ، ولم يتغير لونها ، ولم يظهر لبنها ، وكانت القوابل لا تتعرض لها ، فلما كانت الليلة التي ولد فيها ولدته ولا رقيب عليها ولا قابلة ، ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم ، فأوحى الله إليها " أن أرضعيه ، فإذا خفت عليه " الآية ، فكتمته أمه ثلاثة أشهر ترضعه في حجرها ، لا يبكي ولا يتحرك ، فلما خافت عليه عملت تابوتا له مطبقا ثم ألقته في البحر ليلا .
قال
ابن عباس وغيره : وكان
لفرعون يومئذ بنت لم يكن له ولد غيرها ، وكانت من أكرم الناس عليه ، وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إلى فرعون ، وكان بها برص شديد ، وكان فرعون قد جمع لها أطباء
مصر والسحرة فنظروا في أمرها ، فقالوا له : أيها الملك لا تبرأ إلا من قبل البحر ، يوجد فيه شبه الإنسان فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك ، وذلك في يوم كذا وساعة كذا حين تشرق الشمس ، فلما كان يوم الاثنين غدا
فرعون إلى مجلس كان على شفير
النيل ومعه امرأته
آسية بنت مزاحم ، وأقبلت ابنة
فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ
النيل مع جواريها تلاعبهن وتنضح الماء على وجوههن ، إذ أقبل
النيل بالتابوت تضربه الأمواج ، فقال
فرعون : إن هذا لشيء في البحر قد تعلق بالشجرة ايتوني به ، فابتدروه بالسفن من كل جانب حتى وضعوه بين يديه ، فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه ، فدنت
آسية فرأت في جوف التابوت نورا لم يره غيرها فعالجته ففتحت الباب فإذا هي بصبي صغير في مهده ، وإذا نور بين عينيه ، وقد جعل الله رزقه في إبهامه يمصه لبنا ، فألقى الله
لموسى المحبة في قلب
آسية ، وأحبه
فرعون وعطف عليه ، وأقبلت بنت
فرعون ، فلما أخرجوا الصبي من التابوت عمدت بنت
فرعون إلى ما كان يسيل من ريقه فلطخت به برصها فبرأت ، فقبلته وضمته إلى صدرها ، فقال الغواة من قوم
فرعون : أيها الملك إنا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه بني إسرائيل هو هذا ، رمي به في البحر فرقا منك فاقتله ، فهم
فرعون بقتله . قالت
آسية : قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ، وكانت لا تلد ، فاستوهبت
موسى من
فرعون فوهبه لها ، وقال
فرعون أما أنا فلا حاجة لي فيه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو قال
فرعون يومئذ هو قرة عين لي كما هو
[ ص: 193 ] لك لهداه الله كما هداها " . فقيل
لآسية سميه فقالت : سميته
موسى لأنا وجدناه في الماء والشجر فمو هو الماء ، وسي هو الشجر فذلك قوله - عز وجل - : (
فالتقطه آل فرعون )