[ ص: 194 ] (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ( 10 )
وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون ( 11 ) )
وقوله تعالى : (
وأصبح فؤاد أم موسى فارغا ) أي : خاليا من كل شيء إلا من ذكر
موسى وهمه ، وهذا قول أكثر المفسرين . وقال
الحسن : " فارغا " أي : ناسيا للوحي الذي أوحى الله إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر ولا تخاف ولا تحزن ، والعهد الذي عهد أن يرده إليها ويجعله من المرسلين ، فجاءها الشيطان فقال : كرهت أن يقتل
فرعون ولدك فيكون لك أجره وثوابه وتوليت أنت قتله فألقيته في البحر ، وأغرقته ، ولما أتاها الخبر بأن
فرعون أصابه في النيل قالت : إنه وقع في يد عدوه الذي فررت منه ، فأنساها عظيم البلاء ما كان من عهد الله إليها . وقال
أبو عبيدة : " فارغا " أي : فارغا من الحزن ؛ لعلمها بصدق وعد الله تعالى . وأنكر
القتيبي هذا ، وقال : كيف يكون هذا والله تعالى يقول : "
إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها " ؟ والأول أصح .
قول الله - عز وجل - : (
إن كادت لتبدي به ) قيل الهاء في " به " راجعة إلى
موسى ، أي : كادت لتبدي به أنه ابنها من شدة وجدها . وقال
عكرمة عن
ابن عباس : كادت تقول : وابناه . وقال
مقاتل : لما رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر خشيت عليه الغرق فكادت تصيح من شفقتها . وقال
الكلبي : كادت تظهر أنه ابنها ، وذلك حين سمعت الناس يقولون
لموسى بعدما شب : موسى بن فرعون ، فشق عليها فكادت تقول : بل هو ابني . وقال بعضهم : الهاء عائدة إلى الوحي أي : كادت تبدي بالوحي الذي أوحى الله إليها أن يرده إليها . (
لولا أن ربطنا على قلبها ) بالعصمة والصبر والتثبيت ، ( لتكون من المؤمنين ) المصدقين لوعد الله حين قال لها : ( إنا رادوه إليك )
( وقالت لأخته ) أي :
لمريم أخت موسى : ( قصيه ) اتبعي أثره حتى تعلمي خبره ، (
فبصرت به عن جنب ) أي : عن بعد ، وفي القصة أنها كانت تمشي جانبا وتنظر اختلاسا لترى أنها لا تنظره ،
[ ص: 195 ] ( وهم لا يشعرون ) أنها أخته وأنها ترقبه . قال
ابن عباس : إن
امرأة فرعون كان همها من الدنيا أن تجد له مرضعة ، فكلما أتوا بمرضعة لم يأخذ ثديها فذلك قوله - عز وجل - : (
وحرمنا عليه المراضع )