(
فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ( 21 ) (
ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ( 22 )
ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ( 23 ) )
( فخرج منها )
موسى ، ( خائفا يترقب ) أي : ينتظر الطلب ، (
قال رب نجني من القوم الظالمين ) الكافرين ، وفي القصة : أن
فرعون بعث في طلبه حين أخبر بهربه فقال اركبوا ثنيات الطريق فإنه لا يعرف كيف الطريق .
(
ولما توجه تلقاء مدين ) أي : قصد نحوها ماضيا إليها ، يقال : داره تلقاء دار فلان ، إذا كانت في محاذاتها ، وأصله من اللقاء ، قال
الزجاج : يعني سلك الطريق الذي تلقاء
مدين فيها ،
ومدين هو مدين بن إبراهيم ، سميت البلدة باسمه ، وكان
موسى قد خرج خائفا بلا ظهر ولا حذاء ولا زاد ، وكانت مدين على مسيرة ثمانية أيام من
مصر ، (
قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ) أي : قصد الطريق إلى
مدين ، قال ذلك لأنه لم يكن يعرف الطريق إليها قبل ، فلما دعا جاءه ملك بيده عنزة فانطلق به إلى
مدين . قال المفسرون : خرج
موسى من
مصر ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر والبقل ، حتى يرى خضرته في بطنه ، وما وصل إلى
مدين حتى وقع خف قدميه . قال
ابن عباس : وهو أول ابتلاء من الله - عز وجل -
لموسى عليه السلام .
(
ولما ورد ماء مدين ) وهو بئر كانوا يسقون منها مواشيهم ، ( وجد عليه أمة ) جماعة ( من الناس يسقون ) مواشيهم ، (
ووجد من دونهم ) يعني : سوى الجماعة ، (
امرأتين تذودان ) يعني : تحبسان وتمنعان أغنامهما عن الماء حتى يفرغ الناس وتخلو لهم البئر ، قال
الحسن : تكفان الغنم عن أن تختلط بأغنام الناس ، وقال
قتادة : تكفان الناس عن أغنامهما . وقيل : تمنعان أغنامهما
[ ص: 200 ] عن أن تشذ وتذهب . والقول الأول أصوبها ، لما بعده ، وهو قوله : ( قال ) يعني :
موسى للمرأتين ، ( ما خطبكما ) ما شأنكما لا تسقيان مواشيكما مع الناس ؟ ( قالتا لا نسقي ) أغنامنا ، (
حتى يصدر الرعاء ) قرأ
أبو جعفر ، وأبو عمرو ، وابن عامر : " يصدر " بفتح الياء وضم الدال على اللزوم ، أي : حتى يرجع الرعاء عن الماء ، وقرأ الآخرون : بضم الياء وكسر الدال ، أي : حتى يصرفوا هم مواشيهم عن الماء ، و " الرعاء " جمع راع ، مثل : تاجر وتجار . ومعنى الآية : لا نسقي مواشينا حتى يصدر الرعاء ، لأنا امرأتان لا نطيق أن نسقي ، ولا نستطيع أن نزاحم الرجال ، فإذا صدروا سقينا مواشينا ما أفضلت مواشيهم في الحوض .
(
وأبونا شيخ كبير ) لا يقدر أن يسقي مواشيه ، فلذلك احتجنا نحن إلى سقي الغنم . واختلفوا في اسم أبيهما ، فقال
مجاهد ، والضحاك ، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي والحسن : هو
شعيب النبي عليه السلام . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير : هو
يثرون بن أخي شعيب ، وكان
شعيب قد مات قبل ذلك بعدما كف بصره ، فدفن بين
المقام وزمزم . وقيل : رجل ممن آمن
بشعيب قالوا : فلما سمع
موسى قولهما رحمهما فاقتلع صخرة من رأس بئر أخرى كانت بقربهما لا يطيق رفعها إلا جماعة من الناس .
[ ص: 201 ]
وقال
ابن إسحاق : إن
موسى زاحم القوم ونحاهم عن رأس البئر ، فسقى غنم المرأتين . ويروى : أن القوم لما رجعوا بأغنامهم غطوا رأس البئر بحجر لا يرفعه إلا عشرة نفر ، فجاء
موسى ورفع الحجر وحده ، وسقى غنم المرأتين . ويقال : إنه نزع ذنوبا واحدا ودعا فيه بالبركة ، فروى منه جميع الغنم ، فذلك قوله : (
فسقى لهما ثم تولى إلى الظل )