[ ص: 257 ] [ ص: 258 ] [ ص: 259 ] سورة الروم
مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
(
الم ( 1 )
غلبت الروم ( 2 )
في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ( 3 ) )
(
الم غلبت الروم في أدنى الأرض ) سبب نزول هذه الآية على - ما ذكره المفسرون : - أنه كان بين
فارس والروم قتال ، وكان المشركون يودون أن تغلب
فارس الروم ، لأن
أهل فارس كانوا مجوسا أميين ، والمسلمون يودون غلبة
الروم على
فارس ، لكونهم أهل كتاب ، فبعث
كسرى جيشا إلى
الروم واستعمل عليها رجلا يقال له
شهريراز ، وبعث
قيصر جيشا إلى
فارس واستعمل عليهم رجلا يدعى
يحفس ، فالتقيا
بأذرعات وبصرى ، وهي أدنى
الشام إلى أرض العرب والعجم ، فغلبت
فارس الروم ، فبلغ ذلك المسلمين
بمكة ، فشق عليهم ، وفرح به كفار
مكة ، وقالوا للمسلمين : إنكم
أهل كتاب ، والنصارى أهل كتاب ، ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من
أهل فارس على إخوانكم من أهل
الروم ، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات ، فخرج
أبو بكر الصديق إلى الكفار ، فقال : فرحتم بظهور إخوانكم ، فلا تفرحوا فوالله ليظهرن على
فارس [ على ما ] أخبرنا بذلك نبينا ، فقام إليه
أبي بن خلف الجمحي فقال : كذبت ، فقال : أنت أكذب يا عدو الله ، فقال : اجعل بيننا أجلا أناحبك عليه - والمناحبة : المراهنة - على عشر قلائص مني وعشر قلائص منك ، فإن ظهرت
الروم على
فارس غرمت ، وإن ظهرت
فارس غرمت ففعلوا وجعلوا الأجل ثلاث سنين فجاء
أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بذلك ، وذلك قبل تحريم القمار ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاثة إلى التسع ، فزايده في الخطر وماده في الأجل ، فخرج [ ص: 260 ] أبو بكر ولقي أبيا ، فقال : لعلك ندمت ؟ قال : لا فتعال أزايدك في الخطر وأمادك في الأجل ، فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين ، وقيل إلى سبع سنين ، قال قد فعلت : فلما خشي
أبي بن خلف أن يخرج
أبو بكر من
مكة أتاه فلزمه ، وقال : إني أخاف أن تخرج من
مكة فأقم لي كفيلا فكفل له ابنه
عبد الله بن أبي بكر ، فلما أراد
أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد أتاه
عبد الله بن أبي بكر فلزمه ، فقال : لا والله لا أدعك حتى تعطيني كفيلا فأعطاه كفيلا . ثم خرج إلى
أحد ثم رجع
أبي بن خلف فمات
بمكة من جراحته التي جرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين بارزه ، وظهرت
الروم على
فارس يوم
الحديبية ، وذلك عند رأس سبع سنين من مناحبتهم . وقيل : كان يوم
بدر . قال
الشعبي : لم تمض تلك المدة التي عقدوا المناحبة بين أهل
مكة ، وفيها صاحب ، قمارهم
أبي بن خلف ، والمسلمون وصاحب قمارهم
أبو بكر ، وذلك قبل
تحريم القمار ، حتى غلبت
الروم فارس وربطوا خيولهم
بالمدائن وبنو الرومية فقمر
أبو بكر أبيا وأخذ مال الخطر من ورثته ، وجاء به يحمله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " تصدق به " .
وكان سبب غلبة
الروم فارسا - على ما قاله
عكرمة وغيره - : أن
شهريراز بعدما غلبت
الروم لم يزل يطؤهم ويخرب مدائنهم حتى بلغ الخليج ، فبينا أخوه
فرخان جالس ذات يوم يشرب فقال لأصحابه : لقد رأيت كأني جالس على سرير
كسرى ، فبلغت كلمته
كسرى ، فكتب إلى
شهريراز : إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس
فرخان ، فكتب إليه : أيها الملك إنك لن تجد مثل
فرخان ، إن له نكاية وصوتا في العدو ، فلا تفعل ، فكتب إليه : إن في رجال فارس خلفا منه ، فعجل برأسه ، فراجعه فغضب
كسرى ولم يجبه ، وبعث بريدا إلى أهل
فارس أني قد نزعت عنكم
شهريراز واستعملت عليكم
فرخان الملك ، ثم دفع إلى البريد صحيفة صغيرة أمره فيها بقتل
شهريراز ، وقال : إذا ولى
فرخان الملك وانقاد له أخوه فأعطه ، فلما قرأ
شهريراز الكتاب قال : سمعا وطاعة ، ونزل عن سريره وجلس
فرخان ودفع إليه الصحيفة ، فقال : ائتوني
بشهريراز ، فقدمه ليضرب عنقه ، فقال : لا تعجل علي حتى أكتب وصيتي . قال : نعم ، فدعا بالسفط فأعطاه ثلاث صحائف ، وقال : كل هذا راجعت فيك
كسرى ، وأنت تريد أن تقتلني بكتاب واحد ؟ فرد الملك إلى أخيه ، وكتب
شهريراز إلى
قيصر ملك
الروم إن لي إليك حاجة لا تحملها البرد ، ولا تبلغها الصحف ، فالقني ، ولا تلقني إلا في خمسين روميا ، فإني ألقاك في خمسين فارسيا . فأقبل
قيصر في خمسمائة ألف رومي ، وجعل يضع العيون بين يديه في الطرق ، وخاف أن يكون قد مكر به ، حتى أتاه عيونه أنه ليس معه إلا خمسون رجلا ثم بسط لهما فالتقيا في قبة ديباج ضربت لهما ، ومع كل واحد منهما سكين ، فدعوا بترجمان بينهما ،
[ ص: 261 ] فقال
شهريراز : إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا ، وإن
كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي فأبيت ، ثم أمر أخي أن يقتلني ، فقد خلعناه جميعا فنحن نقاتله معك . قال : قد أصبتما ، ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا ، فقتلا الترجمان معا بسكينهما ، فأديلت
الروم على
فارس عند ذلك ، فاتبعوهم يقتلونهم ، ومات
كسرى وجاء الخبر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم
الحديبية ففرح ومن معه ، فذلك قوله - عز وجل - : (
الم غلبت الروم في أدنى الأرض ) أي : أقرب أرض
الشام إلى أرض
فارس ، قال
عكرمة : هي
أذرعات وكسكر ، وقال
مجاهد : أرض
الجزيرة . وقال
مقاتل :
الأردن وفلسطين . (
وهم من بعد غلبهم ) أي :
الروم من بعد غلبة
فارس إياهم ، والغلب والغلبة لغتان ) ( سيغلبون ) فارسا .