(
إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ( 29 )
ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور ( 30 )
والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير ( 31 )
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ( 32 ) )
قوله تعالى : (
إن الذين يتلون كتاب الله ) يعني : قرأوا القرآن (
وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ) لن تفسد ولن تهلك ، والمراد من التجارة ما وعد الله من الثواب .
قال الفراء : قوله : " يرجون " جواب لقوله : " إن الذين يتلون كتاب الله " . (
ليوفيهم أجورهم ) جزاء أعمالهم بالثواب (
ويزيدهم من فضله ) قال
ابن عباس : يعني سوى الثواب مما لم تر عين ولم تسمع أذن (
إنه غفور شكور ) قال
ابن عباس : يغفر العظيم من ذنوبهم ويشكر اليسير من أعمالهم . (
والذي أوحينا إليك من الكتاب ) يعني : القرآن (
هو الحق مصدقا لما بين يديه ) من الكتب (
إن الله بعباده لخبير بصير ثم أورثنا الكتاب ) يعني : الكتاب الذي أنزلناه إليك الذي ذكر في الآية الأولى ، وهو القرآن ، جعلناه ينتهي إلى (
الذين اصطفينا من عبادنا )
ويجوز أن يكون " ثم " بمعنى الواو ، أي : وأورثنا ، كقوله : " ثم كان من الذين آمنوا " ( البلد - 17 ) ، أي : وكان من الذين آمنوا ، ومعنى " أورثنا " أعطينا ، لأن الميراث عطاء ، قاله
مجاهد .
وقيل : " أورثنا " أي : أخرنا ، ومنه الميراث لأنه أخر عن الميت ، ومعناه : أخرنا القرآن عن الأمم السالفة وأعطيناكموه ، وأهلناكم له .
(
الذين اصطفينا من عبادنا ) قال
ابن عباس : يريد أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قسمهم ورتبهم فقال :
[ ص: 421 ]
(
فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ) روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=815421عن أسامة بن زيد في قوله - عز وجل - : " فمنهم ظالم لنفسه " الآية ، قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كلهم من هذه الأمة " .
أخبرنا
أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=13968أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني
الحسين بن محمد بن فنجويه ، أخبرنا
محمد بن علي بن الحسين القاضي ، أخبرنا
بكر بن محمد المروزي ، أخبرنا
أبو قلابة ، حدثنا
عمرو بن الحصين ، عن
الفضل بن عميرة ، عن
ميمون الكردي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12081أبي عثمان النهدي قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب قرأ على المنبر : (
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) الآية ، فقال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له " ، قال
أبو قلابة فحدثت به
nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين فجعل يتعجب منه .
واختلف المفسرون في معنى الظالم والمقتصد والسابق .
أخبرنا
أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا
أبو سعيد محمد بن عيسى الصيرفي ، أخبرنا أبو
عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، حدثنا
أحمد بن محمد بن عيسى البرتي ، حدثنا
محمد بن كثير ، أخبرنا
سفيان ، عن
الأعمش ، عن رجل ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=815423عن أبي ثابت أن رجلا دخل المسجد فقال : اللهم ارحم غربتي ، وآنس وحشتي ، وسق إلي جليسا صالحا ، فقال أبو الدرداء : لئن كنت صادقا لأنا أسعد بك منك ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية : " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات " فقال : " أما السابق بالخيرات فيدخل الجنة بغير حساب ، وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا ، وأما الظالم لنفسه فيحبس في المقام حتى يدخله الهم ، ثم يدخل الجنة " ، ثم قرأ هذه الآية : " وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور " .
[ ص: 422 ] وقال
عقبة بن صهبان سألت
عائشة عن قول الله - عز وجل - : (
ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) الآية ، فقالت : يا بني كلهم في الجنة ، أما السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجنة ، وأما المقتصد فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحق به ، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم ، فجعلت نفسها معنا .
وقال
مجاهد ،
والحسن ،
وقتادة : فمنهم ظالم لنفسه وهم أصحاب المشئمة ، ومنهم مقتصد وهم أصحاب الميمنة ، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله هم السابقون المقربون من الناس كلهم .
وعن
ابن عباس قال : السابق : المؤمن المخلص ، والمقتصد : المرائي ، والظالم : الكافر نعمة الله غير الجاحد لها ، لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة فقال : " جنات عدن يدخلونها " .
وقال بعضهم : يذكر ذلك عن
الحسن ، قال : السابق من رجحت حسناته على سيئاته ، والمقتصد من استوت حسناته وسيئاته ، والظالم من رجحت سيئاته على حسناته .
وقيل :
الظالم من كان ظاهره خيرا من باطنه ، والمقتصد الذي يستوي ظاهره وباطنه ، والسابق الذي باطنه خير من ظاهره .
وقيل : الظالم من وحد الله بلسانه ولم يوافق فعله قوله ، والمقتصد من وحد الله بلسانه وأطاعه بجوارحه ، والسابق من وحد الله بلسانه وأطاعه بجوارحه وأخلص له عمله .
وقيل : الظالم التالي للقرآن ، والمقتصد القارئ له العالم به ، والسابق القارئ له العالم به العامل بما فيه .
وقيل :
الظالم أصحاب الكبائر والمقتصد أصحاب الصغائر ، والسابق الذي لم يرتكب كبيرة ولا صغيرة .
وقال
سهل بن عبد الله : السابق العالم ، والمقتصد المتعلم ، والظالم الجاهل .
قال
جعفر الصادق : بدأ بالظالمين إخبارا بأنه لا يتقرب إليه إلا بكرمه ، وأن الظلم لا يؤثر في الاصطفاء ، ثم ثنى بالمقتصدين لأنهم بين الخوف والرجاء ، ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن أحد مكره ، وكلهم في الجنة .
[ ص: 423 ]
وقال
أبو بكر الوراق : رتبهم هذا الترتيب على مقامات الناس ، لأن أحوال العبد ثلاثة : معصية وغفلة ثم توبة ثم قربة ، فإذا عصى دخل في حيز الظالمين ، وإذا تاب دخل في جملة المقتصدين ، وإذا صحت التوبة وكثرت العبادة والمجاهدة دخل في عداد السابقين .
وقال بعضهم : المراد بالظالم الكافر ذكره
الكلبي .
وقيل : المراد منه المنافق ، فعلى هذا لا يدخل الظالم في قوله : " جنات عدن يدخلونها " . وحمل هذا القائل الاصطفاء على الاصطفاء في الخلقة وإرسال الرسول إليهم وإنزال الكتاب والأول هو المشهور أن المراد من جميعهم المؤمنون ، وعليه عامة أهل العلم .
قوله : (
ومنهم سابق بالخيرات ) أي : سابق إلى الجنة ، أو إلى رحمة الله بالخيرات ، أي : بالأعمال الصالحات ) ( بإذن الله ) أي : أمر الله وإرادته (
ذلك هو الفضل الكبير ) يعني : إيراثهم الكتاب .