[ ص: 257 ] (
ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين ( 15 )
أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ( 16 )
والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين ( 17 ) )
قوله - عز وجل - : (
ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ) قرأ أهل
الكوفة : " إحسانا " [ كقوله تعالى : "
وبالوالدين إحسانا " ( البقرة - 83 ) ] (
حملته أمه كرها ووضعته كرها ) يريد شدة الطلق . قرأ أهل
الحجاز وأبو عمرو " كرها " بفتح الكاف فيهما ، وقرأ الآخرون بضمهما . (
وحمله وفصاله ) فطامه ، وقرأ
يعقوب : " وفصله " بغير ألف (
ثلاثون شهرا ) يريد
أقل مدة الحمل ، وهي ستة أشهر ،
وأكثر مدة الرضاع أربعة وعشرون شهرا .
وروى
عكرمة عن
ابن عباس - رضي الله عنه - قال : إذا حملت المرأة تسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهرا ، وإذا حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهرا (
حتى إذا بلغ أشده ) نهاية قوته ، وغاية شبابه واستوائه ، وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة ، فذلك قوله : (
وبلغ أربعين سنة ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي والضحاك : نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، وقد مضت القصة .
وقال الآخرون : نزلت في
أبي بكر الصديق وأبيه
أبي قحافة عثمان بن عمرو ، وأمه
أم الخير بنت صخر بن عمرو .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب : الآية نزلت في
أبي بكر ، أسلم أبواه جميعا ، ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أبواه غيره ، أوصاه الله بهما ، ولزم ذلك من بعده .
وكان
أبو بكر صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثماني عشرة سنة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عشرين سنة ، في تجارة إلى
الشام ، فلما بلغ أربعين سنة ونبئ النبي - صلى الله عليه وسلم - آمن به ودعا ربه ف (
قال رب أوزعني )
[ ص: 258 ] ألهمني (
أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي ) بالهداية والإيمان (
وأن أعمل صالحا ترضاه ) قال
ابن عباس : وأجابه الله - عز وجل - ، فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله ولم يرد شيئا من الخير إلا أعانه الله عليه ، ودعا أيضا فقال : (
وأصلح لي في ذريتي ) فأجابه الله ، فلم يكن له ولد إلا آمنوا جميعا ، فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعا ، فأدرك
أبو قحافة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وابنه
أبو بكر وابنه
عبد الرحمن بن أبي بكر وابن عبد الرحمن أبو عتيق كلهم أدركوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة . قوله : (
إني تبت إليك وإني من المسلمين ) .
(
أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ) يعني أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا ، وكلها حسن ، و " الأحسن " بمعنى الحسن ، فيثيبهم عليها (
ونتجاوز عن سيئاتهم ) فلا نعاقبهم عليها ، قرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وحفص " نتقبل " " ونتجاوز " بالنون ، " أحسن " نصب ، وقرأ الآخرون بالياء وضمها ، " أحسن " رفع . (
في أصحاب الجنة ) مع أصحاب الجنة (
وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ) وهو قوله - عز وجل - : "
وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار " ( التوبة - 72 ) .
(
والذي قال لوالديه ) إذ دعواه إلى الإيمان بالله والإقرار بالبعث (
أف لكما ) وهي كلمة كراهية (
أتعدانني أن أخرج ) من قبري حيا (
وقد خلت القرون من قبلي ) فلم يبعث منهم أحد (
وهما يستغيثان الله ) يستصرخان ويستغيثان الله عليه ، ويقولان له : (
ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا ) ما هذا الذي تدعواني إليه (
إلا أساطير الأولين ) قال
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي ،
ومجاهد : نزلت في
عبد الله .
[ ص: 259 ]
وقيل : في
عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه ، كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام وهو يأبى ، ويقول : أحيوا لي
عبد الله بن جدعان وعامر بن كعب ومشايخ
قريش حتى أسألهم عما تقولون .
وأنكرت
عائشة رضي الله عنها أن يكون هذا في
عبد الرحمن بن أبي بكر .
والصحيح أنها نزلت في كافر عاق لوالديه ، قاله
الحسن وقتادة .
وقال
الزجاج : قول من قال إنها نزلت في
عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه ، يبطله قوله :