(
وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( 4 )
وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة ( 5 ) )
ثم ذكر من لم يؤمن من أهل الكتاب فقال :
[ ص: 496 ] (
وما تفرق الذين أوتوا الكتاب ) في أمر
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، (
إلا من بعد ما جاءتهم البينة ) أي البيان في كتبهم أنه نبي مرسل .
قال المفسرون :
لم يزل أهل الكتاب مجتمعين في تصديق محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى بعثه الله ، فلما بعث تفرقوا في أمره واختلفوا ، فآمن به بعضهم ، وكفر آخرون .
وقال بعض أئمة اللغة : معنى قوله " منفكين " : هالكين ، من قولهم : انفك [ صلا ] المرأة عند الولادة ، وهو أن ينفصل فلا يلتئم فتهلك .
ومعنى الآية : لم يكونوا هالكين معذبين إلا من بعد قيام الحجة عليهم بإرسال الرسول وإنزال الكتاب ، والأول أصح . ثم ذكر ما أمروا به في كتبهم فقال : (
وما أمروا ) يعني هؤلاء الكفار ، (
إلا ليعبدوا الله ) يعني إلا أن يعبدوا الله ، (
مخلصين له الدين ) قال
ابن عباس : ما أمروا في التوراة والإنجيل إلا [ بالإخلاص في ] العبادة لله موحدين ، ( حنفاء ) مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام ، (
ويقيموا الصلاة ) المكتوبة في أوقاتها ، (
ويؤتوا الزكاة ) عند محلها ، ( وذلك ) الذي أمروا به ، ( دين القيمة ) أي الملة والشريعة المستقيمة . أضاف الدين إلى القيمة وهي نعته ، لاختلاف اللفظين ، وأنث " القيمة " ردا بها إلى الملة .
وقيل : الهاء فيه للمبالغة ، وقيل : " القيمة " هي الكتب التي جرى ذكرها ، أي وذلك دين الكتب القيمة فيما تدعو إليه وتأمر به ، كما قال :
وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ( البقرة 213 ) .
قال
النضر بن شميل : سألت
الخليل بن أحمد عن قوله : " وذلك دين القيمة " ؟ فقال : " القيمة " :
[ ص: 497 ] جمع القيم ، والقيم والقائم واحد ، ومجاز الآية : وذلك دين القائمين لله بالتوحيد .