(
إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون ( 153 ) )
(
إذ تصعدون ) يعني : ولقد عفا عنكم إذ تصعدون هاربين ، وقرأ
أبو عبد الرحمن السلمي والحسن وقتادة ( تصعدون ) بفتح التاء والعين والقراءة المعروفة بضم التاء وكسر العين .
والإصعاد : السير في مستوى الأرض والصعود : الارتفاع على الجبال والسطوح ، قال
أبو حاتم : يقال
[ ص: 120 ] أصعدت إذا مضيت حيال وجهك وصعدت إذا ارتقيت في جبل أو غيره ، وقال
المبرد : أصعد إذا أبعد في الذهاب ، وكلتا القراءتين صواب فقد كان يومئذ من المنهزمين مصعد وصاعد وقال
المفضل : صعد وأصعد وصعد بمعنى واحد .
(
ولا تلوون على أحد ) أي : لا تعرجون ولا تقيمون على أحد ولا يلتفت بعضكم إلى بعض ، (
والرسول يدعوكم في أخراكم ) أي : في آخركم ومن ورائكم ، إلي عباد الله فأنا رسول الله ، من يكر فله الجنة ، ( فأثابكم ) فجازاكم جعل الإثابة بمعنى العقاب ، وأصلها في الحسنات لأنه وضعها موضع الثواب كقوله تعالى : (
فبشرهم بعذاب أليم ) جعل البشارة في العذاب ومعناه : جعل مكان الثواب الذي كنتم ترجون (
غما بغم ) وقيل : الباء بمعنى على أي : غما على غم وقيل : غما متصلا بغم فالغم الأول : ما فاتهم من الظفر والغنيمة ، والغم الثاني : ما نالهم من القتل والهزيمة .
وقيل : الغم الأول ما أصابهم من القتل والجراح ، والغم الثاني : ما سمعوا أن
محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل فأنساهم الغم الأول .
وقيل : الغم الأول : إشراف
خالد بن الوليد عليهم بخيل المشركين ، والغم الثاني : حين أشرف عليهم
أبو سفيان ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق يومئذ يدعو الناس حتى انتهى إلى أصحاب الصخرة ، فلما رأوه وضع رجل سهما في قوسه وأراد أن يرميه ، فقال أنا رسول الله ففرحوا حين وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرح النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى أن في أصحابه من يمتنع ، فأقبلوا يذكرون الفتح وما فاتهم منه ، ويذكرون أصحابهم الذين قتلوا فأقبل
أبو سفيان وأصحابه حتى وقفوا بباب الشعب ، فلما نظر المسلمون إليهم أهمهم ذلك وظنوا أنهم يميلون عليهم فيقتلونهم فأنساهم هذا ما نالهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس لهم أن يعلونا اللهم إن تقتل هذه العصابة لا تعبد في الأرض ، ثم ندب أصحابه فرموهم بالحجارة حتى أنزلوهم .
وقيل : إنهم غموا الرسول بمخالفة أمره ، فجازاهم الله بذلك الغم ، غم القتل والهزيمة .
قوله تعالى : (
لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ) من الفتح والغنيمة ، (
ولا ما أصابكم ) أي : ولا على ما أصابكم من القتل والهزيمة ، (
والله خبير بما تعملون ) .