(
كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ( 79 )
ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ( 80 )
ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون ( 81 ) )
قوله تعالى : (
ترى كثيرا منهم ) قيل : من
اليهود كعب بن الأشرف وأصحابه ، (
يتولون الذين كفروا )
[ ص: 85 ] مشركي
مكة حين خرجوا إليهم يجيشون على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال
ابن عباس ومجاهد والحسن : منهم يعني من المنافقين يتولون
اليهود ، (
لبئس ما قدمت لهم أنفسهم ) بئس ما قدموا من العمل لمعادهم في الآخرة ، (
أن سخط الله عليهم ) غضب الله عليهم ، (
وفي العذاب هم خالدون )
(
ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي )
محمد صلى الله عليه وسلم ، (
وما أنزل إليه ) يعني القرآن ، (
ما اتخذوهم ) يعني الكفار ، (
أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون ) أي خارجون عن أمر الله سبحانه وتعالى .
قوله عز وجل : (
لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) يعني : مشركي العرب ، (
ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ) لم يرد به جميع
النصارى لأنهم في عداوتهم المسلمين
كاليهود في قتلهم المسلمين وأسرهم وتخريب بلادهم وهدم مساجدهم وإحراق مصاحفهم ، لا ولاء ، ولا كرامة لهم ، بل الآية فيمن أسلم منهم مثل
النجاشي وأصحابه ، [ وقيل : نزلت في جميع
اليهود وجميع
النصارى ، لأن
اليهود أقسى قلبا
والنصارى ألين قلبا منهم ، وكانوا أقل مظاهرة للمشركين من
اليهود ] .
قال أهل التفسير : ائتمرت
قريش أن يفتنوا المؤمنين عن دينهم ، فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين يؤذونهم ويعذبونهم ، فافتتن من افتتن ، وعصم الله منهم من شاء ، ومنع الله تعالى رسوله بعمه
أبي طالب ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بأصحابه ولم يقدر على منعهم ولم يؤمر بعد بالجهاد ، أمرهم
بالخروج إلى أرض الحبشة ، وقال : " إن بها ملكا صالحا لا يظلم ولا يظلم عنده أحد ، فاخرجوا إليه حتى يجعل الله للمسلمين فرجا " وأراد به
النجاشي ، واسمه
أصحمة وهو
بالحبشة عطية ، وإنما
النجاشي اسم الملك ، كقولهم قيصر وكسرى ، فخرج إليهم سرا أحد عشر رجلا وأربع نسوة ، وهم
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان وامرأته
رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير بن العوام nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود ، [
nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف ]
nindex.php?page=showalam&ids=266وأبو حذيفة بن عتبة وامرأته
سهلة بنت سهيل بن عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=104ومصعب بن عمير nindex.php?page=showalam&ids=233وأبو سلمة بن عبد الأسد وامرأته
أم سلمة بنت أبي أمية ،
nindex.php?page=showalam&ids=5559وعثمان بن مظعون nindex.php?page=showalam&ids=49وعامر بن ربيعة وامرأته
[ ص: 86 ] ليلى بنت أبي [ حثمة ] وحاطب بن عمرو و [
سهل ] بن بيضاء رضي الله عنهم ، فخرجوا إلى البحر وأخذوا سفينة إلى أرض
الحبشة بنصف دينار وذلك في رجب في السنة الخامسة من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه الهجرة الأولى ثم خرج
nindex.php?page=showalam&ids=315جعفر بن أبي طالب ، وتتابع المسلمون إليها وكان جميع من هاجر إلى
الحبشة من المسلمين اثنين وثمانين رجلا سوى النساء والصبيان .
فلما علمت قريش بذلك وجهوا عمرو بن العاص وصاحبه بالهدايا إلى النجاشي وبطارقته ليردوهم إليهم ، فعصمه الله ، وذكرت القصة في سورة آل عمران .
فلما انصرفا خائبين ، أقام المسلمون هناك بخير دار وأحسن جوار إلى أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلا أمره ، وذلك في سنة ستة من الهجرة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
النجاشي على يد
nindex.php?page=showalam&ids=243عمرو بن أمية الضمري ليزوجه
أم حبيبة بنت أبي سفيان - وكانت قد هاجرت إليه مع زوجها فمات زوجها ، - ويبعث إليه من عنده من المسلمين فأرسل
النجاشي إلى
أم حبيبة جارية يقال لها
أبرهة تخبرها بخطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها ، فأعطتها أوضاحا لها سرورا بذلك ، فأذنت لخالد بن سعيد بن العاص حتى أنكحها على صداق أربعمائة دينار ، وكان الخاطب لرسول الله صلى الله عليه وسلم
النجاشي رحمه الله فأنفذ إليها
النجاشي أربعمائة دينار على يد
أبرهة ، فلما جاءتها بها أعطتها خمسين دينارا فردته وقالت : أمرني الملك أن لا آخذ منك شيئا ، وقالت : أنا صاحبة دهن الملك وثيابه ، وقد صدقت
محمدا صلى الله عليه وسلم وآمنت به ، وحاجتي منك أن تقرئيه مني السلام ، قالت نعم : وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بما عندهن من عود وعنبر ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراه عليها وعندها فلا ينكر .
قالت
أم حبيبة :
فخرجنا إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، فخرج من خرج إليه وأقمت
بالمدينة حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخلت عليه وكان يسألني عن النجاشي فقرأت عليه من أبرهة السلام فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما السلام ، وأنزل الله عز وجل : "
عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة " يعني :
أبا سفيان مودة ، يعني : بتزويج
أم حبيبة ، ولما جاء
أبا سفيان تزويج
أم حبيبة ، قال : ذلك الفحل لا يقرع أنفه .
وبعث
النجاشي بعد قدوم
جعفر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ابنه
أزهى بن أصحمة بن أبجر في ستين رجلا من
الحبشة ، وكتب إليه : يا رسول الله
أشهد أنك رسول الله صادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت [ ص: 87 ] ابن عمك وأسلمت لله رب العالمين ، وقد بعثت إليك ابني أزهى ، وإن شئت أن آتيك بنفسي فعلت والسلام عليك يا رسول الله ، فركبوا سفينة في أثر
جعفر وأصحابه حتى إذا كانوا في وسط البحر غرقوا ، ووافى
جعفر وأصحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعين رجلا عليهم ثياب الصوف ، منهم اثنان وستون من
الحبشة وثمانية من [
أهل ] الشام ، فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة " يس " إلى آخرها ، فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا ، وقال : آمنوا ، وقالوا : ما أشبه هذا بما كان ينزل على
عيسى عليه السلام ، فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآية (
ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ) يعني : وفد
النجاشي الذين قدموا مع جعفر وهم السبعون ، وكانوا أصحاب الصوامع .
وقال
مقاتل والكلبي كانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من
الحبشة ، وثمانية روميين من أهل
الشام .
[ وقال
عطاء : كانوا ثمانين رجلا ، أربعون من
أهل نجران من
بني الحرث بن كعب ، واثنان وثلاثون من
الحبشة وثمانية روميين من أهل
الشام ] .
وقال
قتادة : نزلت في ناس من
أهل الكتاب كانوا على شريعة من الحق مما جاء به
عيسى عليه السلام ، فلما بعث الله
محمدا صلى الله عليه وسلم صدقوه وآمنوا به فأثنى الله عز وجل بذلك عليهم . (
ذلك بأن منهم قسيسين ) أي علماء ، قال
قطرب : القس والقسيس العالم بلغة الروم ، ) ( ورهبانا ) الرهبان العباد أصحاب الصوامع ، واحدهم راهب ، مثل فارس وفرسان ، وراكب وركبان ، وقد يكون واحدا وجمعه رهابين ، مثل قربان وقرابين (
وأنهم لا يستكبرون ) لا يتعظمون عن الإيمان والإذعان للحق .