(
أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين ( 114 )
وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم ( 115 )
وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ( 116 )
إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ( 117 ) )
قوله عز وجل : (
أفغير الله ) فيه إضمار أي : قل لهم يا
محمد أفغير الله ، (
أبتغي ) أطلب (
حكما ) قاضيا بيني وبينكم ، وذلك أنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم : اجعل بيننا وبينك حكما فأجابهم به ، (
وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا ) مبينا فيه أمره ونهيه ، يعني : القرآن ، وقيل : مفصلا أي خمسا خمسا وعشرا وعشرا ، كما قال : (
لنثبت به فؤادك ) ( الفرقان ، 32 ) ، (
والذين آتيناهم الكتاب )
[ ص: 181 ] يعني : علماء
اليهود والنصارى الذين آتيناهم التوراة والإنجيل ، وقيل : هم مؤمنو
أهل الكتاب ، وقال
عطاء : هم رءوس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد بالكتاب هو القرآن ، (
يعلمون أنه منزل ) يعني : القرآن ، قرأ
ابن عامر [
وحفص ] " منزل " بالتشديد من التنزيل لأنه أنزل نجوما متفرقة ، وقرأ الآخرون بالتخفيف من الإنزال ، لقوله تعالى : "
وهو الذي أنزل إليكم الكتاب " ، (
من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين ) من الشاكين أنهم يعلمون ذلك .
قوله عز وجل : ( وتمت كلمة ربك ) قرأ
أهل الكوفة ويعقوب " كلمة " على التوحيد ، وقرأ الآخرون ( كلمات ) بالجمع ، وأراد بالكلمات أمره ونهيه ووعده ووعيده ، (
صدقا وعدلا ) أي : صدقا في الوعد والوعيد ، وعدلا في الأمر والنهي ، قال
قتادة ومقاتل : صادقا فيما وعد وعدلا فيما حكم ، (
لا مبدل لكلماته ) قال
ابن عباس : لا راد لقضائه ولا مغير لحكمه ولا خلف لوعده ، (
وهو السميع العليم ) قيل : أراد بالكلمات القرآن لا مبدل له ، لا يزيد فيه المفترون ولا ينقصون .
(
وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) عن دين الله ، وذلك أن أكثر أهل الأرض كانوا على الضلالة ، وقيل : أراد أنهم جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في أكل الميتة ، وقالوا : أتأكلون ما تقتلون ولا تأكلون ما قتله الله عز وجل؟ فقال : (
وإن تطع أكثر من في الأرض ) أي : وإن تطعهم في أكل الميتة يضلوك عن سبيل الله ، (
إن يتبعون إلا الظن ) يريد أن دينهم الذي هم عليه ظن [ وهوى ] لم يأخذوه عن بصيرة ، (
وإن هم إلا يخرصون ) يكذبون .
(
إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله ) قيل : موضع " من " نصب بنزع حرف الصفة ، أي : بمن يضل ، وقال
الزجاج : موضعه رفع بالابتداء ، ولفظها لفظ الاستفهام ، والمعنى : إن ربك هو أعلم أي الناس من يضل عن سبيله ، (
وهو أعلم بالمهتدين ) أخبر أنه أعلم بالفريقين الضالين والمعتدين فيجازي كلا بما يستحقه .